للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْأَرْضِ إلَّا إضْرَارَ الْقَمْحِ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهَا مِثْلُ عُرُوقٍ تَبْقَى فِيهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَرَبُّ الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْكِرَاءَ، وَمَا نَقَصَتْ الْأَرْضُ عَمَّا يُنْقِصُهَا زَرْعُ الْقَمْحِ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ كِرَاءَ مِثْلِهَا.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا اكْتَرَى وَزَادَ عَلَى الْمُكْرِي ضَرَرًا كَرَجُلٍ اكْتَرَى مَنْزِلًا يُدْخِلُ فِيهِ مَا يَحْمِلُ سَقْفُهُ فَحَمَّلَ فِيهِ أَكْثَرَ فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِالْمَنْزِلِ فَقَدْ اسْتَوْفَى سُكْنَاهُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ ضَرَرِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ اكْتَرَى مَنْزِلًا سُفْلًا فَجَعَلَ فِيهِ الْقَصَّارِينَ أَوْ الْحَدَّادِينَ فَتَقَلَّعَ الْبِنَاءُ فَقَدْ اسْتَوْفَى مَا اكْتَرَاهُ وَعَلَيْهِ بِالتَّعَدِّي مَا نَقَصَ بِالْمَنْزِلِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ قَالَ لَهُ: ازْرَعْهَا مَا شِئْتَ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ زَرْعِ مَا شَاءَ، وَلَوْ أَرَادَ الْغِرَاسَ فَهُوَ غَيْرُ الزَّرْعِ، وَإِنْ قَالَ ازْرَعْهَا أَوْ اغْرِسْهَا مَا شِئْت فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): أَوْلَى بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي يَغْرِسُ أَكْثَرَ الْأَرْضِ فَيَكْثُرُ الضَّرَرُ عَلَى صَاحِبِهَا أَوْ لَا يَغْرِسُ فَتَسْلَمُ أَرْضُهُ مِنْ النُّقْصَانِ بِالْغَرْسِ فَهَذَا فِي مَعْنَى الْمَجْهُولِ، وَمَا لَا يَجُوزُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ انْقَضَتْ سِنُوهُ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَ غَرْسَهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ وَقِيمَةَ ثَمَرَتِهِ إنْ كَانَتْ فِيهِ يَوْمَ يَقْلَعُهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِرَبِّ الْغِرَاسِ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْلَعَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ الْأَرْضَ، وَالْغِرَاسُ كَالْبِنَاءِ إذَا كَانَ بِإِذْنِ مَالِكِ الْأَرْضِ مُطْلَقًا، وَمَا اكْتَرَى فَاسِدًا وَقَبَضَهَا، وَلَمْ يَزْرَعْ، وَلَمْ يَسْكُنْ حَتَّى انْقَضَتْ السَّنَةُ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقِيَاسُ عِنْدِي - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - أَنَّهُ إذَا أَجَّلَ لَهُ أَجَلًا يَغْرِسُ فِيهِ فَانْقَضَى الْأَجَلُ أَوْ أَذِنَ لَهُ بِبِنَاءٍ فِي عَرْصَةٍ لَهُ سِنِينَ وَانْقَضَى الْأَجَلُ أَنَّ الْأَرْضَ وَالْعَرْصَةَ مَرْدُودَتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعِرْهُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ عَلَى أَهْلِهِ، وَلَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى شِرَاءِ غِرَاسٍ، وَلَا بِنَاءٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَهَذَا قَدْ مَنَعَ مَالَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مَا لَا يَرْضَى شِرَاءَهُ فَأَيْنَ التَّرَاضِي.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا اكْتَرَى دَارًا سَنَةً فَغَصَبَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كِرَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ مَا اكْتَرَى، وَإِذَا اكْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ فِيمَا أَخْرَجَتْ الصَّدَقَةُ، خَاطَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وَهَذَا مَالُ مُسْلِمٍ وَحَصَادُ مُسْلِمٍ فَالزَّكَاةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ.

وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي اكْتِرَاءِ دَابَّةٍ إلَى مَوْضِعٍ أَوْ فِي كِرَائِهَا أَوْ فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ تَحَالَفَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَالزَّرْعِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ بِكِرَاءٍ، وَقَالَ الْمُزَارِعُ عَارِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَقْلَعُ الزَّارِعُ زَرْعَهُ وَعَلَى الزَّارِعِ كِرَاءُ مِثْلِهِ إلَى يَوْمِ قَلْعِ زَرْعِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي إبَّانِ الزَّرْعِ أَوْ غَيْرِهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ فِي رَاكِبِ الدَّابَّةِ يَقُولُ أَعَرْتَنِيهَا، وَيَقُولُ بَلْ أَكْرَيْتُكَهَا إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاكِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَخِلَافُ قَوْلِهِ فِي الْغَسَّالِ يَقُولُ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، وَيَقُولُ الْغَسَّالُ بِأُجْرَةٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَأَوْلَى بِقَوْلِهِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ، وَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ.

إحْيَاءُ الْمَوَاتِ

مِنْ كِتَابٍ وَضَعَهُ بِخَطِّهِ لَا أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِلَادُ الْمُسْلِمِينَ شَيْئَانِ عَامِرٌ، وَمَوَاتٌ فَالْعَامِرُ لِأَهْلِهِ وَكُلُّ مَا صَلَحَ بِهِ الْعَامِرُ مِنْ طَرِيقٍ وَفِنَاءٍ، وَمَسِيلِ مَاءٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ كَالْعَامِرِ فِي أَنْ لَا يُمْلَكَ عَلَى أَهْلِهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ وَالْمَوَاتُ شَيْئَانِ مَوَاتُ مَا قَدْ كَانَ عَامِرًا لِأَهْلِهِ مَعْرُوفًا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَهَبَتْ عِمَارَتُهُ فَصَارَ مَوَاتًا فَذَلِكَ كَالْعَامِرِ لِأَهْلِهِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَالْمَوَاتُ الثَّانِي مَا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ يُعْرَفُ، وَلَا عِمَارَةَ مِلْكٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا لَمْ يُمْلَكْ

<<  <   >  >>