الْمُخَابَرَةِ» فَتَرَكْنَاهَا لِقَوْلِ رَافِعٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُخَابَرَةُ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَهْيِهِ عَنْ الْمُخَابَرَةِ عَلَى أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا عَلَى الرُّبُعِ، وَلَا جُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ إلَّا مَعْلُومًا، وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْعَرَضِ، وَمَا نَبَتَ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى صِفَةِ تَسْمِيَةٍ كَمَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْمَنَازِلِ، وَإِجَارَةُ الْعَبِيدِ، وَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ إلَّا عَلَى سَنَةٍ مَعْرُوفَةٍ، وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ ذَاتَ الْمَاءِ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ النَّهْرِ أَوْ النِّيلِ أَوْ عَثَرِيًّا أَوْ غَيْلًا أَوْ الْآبَارِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا غَلَّةَ شِتَاءٍ وَصَيْفٍ فَزَرَعَهَا إحْدَى الْغَلَّتَيْنِ وَالْمَاءُ قَائِمٌ ثُمَّ نَضَبَ الْمَاءُ فَذَهَبَ قَبْلَ الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ فَأَرَادَ رَدَّ الْأَرْضِ لِذَهَابِ الْمَاءِ عَنْهَا فَذَلِكَ لَهُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِصَّةِ مَا زَرَعَ إنْ كَانَ الثُّلُثَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَسَقَطَتْ عَنْهُ حِصَّةُ مَا لَمْ يَزْرَعْ؛ لِأَنَّهُ لَا صَلَاحَ لِلزَّرْعِ إلَّا بِهِ وَلَوْ تَكَارَاهَا سَنَةً فَزَرَعَهَا فَانْقَضَتْ السَّنَةُ وَالزَّرْعُ فِيهَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يُحْصَدَ فَإِنْ كَانَتْ السَّنَةُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا زَرْعًا يُحْصَدُ قَبْلَهَا فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ وَلَيْسَ لِرَبِّ الزَّرْعِ أَنْ يُثْبِتَ زَرْعَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْقُلَهُ عَنْ الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ تَرْكَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا شَرَطَ أَنْ يَزْرَعَهَا صِنْفًا مِنْ الزَّرْعِ يَسْتَحْصِدُ أَوْ يَسْتَقْصِلُ قَبْلَ السَّنَةِ فَأَخَّرَهُ إلَى وَقْتٍ مِنْ السَّنَةِ وَانْقَضَتْ السَّنَةُ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ تَكَارَاهَا لِمُدَّةٍ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ وَشَرَطَ أَنْ يَزْرَعَهَا شَيْئًا بِعَيْنِهِ، وَيَتْرُكَهُ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَحْصِدَ فِي مِثْلِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَكَارَاهَا فَالْكِرَاءُ فِيهِ فَاسِدٌ مِنْ قِبَلِ أَنِّي إنْ أَثْبَتَ بَيْنَهُمَا شَرْطَهُمَا، وَلَمْ أُثْبِتْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَبْقَى زَرْعُهُ فِيهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَبْطَلْت شَرْطَ الزَّارِعِ أَنْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ، وَإِنْ أَثْبَتُ لَهُ زَرْعَهُ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ أَبْطَلْت شَرْطَ رَبِّ الْأَرْضِ فَكَانَ هَذَا كِرَاءً فَاسِدًا وَلِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ إذَا زَرَعَهُ وَعَلَيْهِ تَرْكُهُ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا تَكَارَى الْأَرْضَ الَّتِي لَا مَاءَ لَهَا إنَّمَا تُسْقَى بِنَطْفِ سَمَاءٍ أَوْ بِسَيْلٍ إنْ جَاءَ فَلَا يَصِحُّ كِرَاؤُهَا إلَّا عَلَى أَنْ يُكْرِيَهُ إيَّاهَا أَرْضًا بَيْضَاءَ لَا مَاءَ لَهَا يَصْنَعُ بِهَا الْمُسْتَكْرِي مَا شَاءَ فِي سَنَتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْنِي، وَلَا يَغْرِسُ فَإِذَا وَقَعَ عَلَى هَذَا صَحَّ الْكِرَاءُ وَلَزِمَهُ زَرَعَ أَوْ لَمْ يَزْرَعْ فَإِنْ أَكْرَاهُ إيَّاهَا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا، وَلَمْ يَقُلْ أَرْضًا بَيْضَاءَ لَا مَاءَ لَهَا وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهَا لَا تُزْرَعُ إلَّا بِمَطَرٍ أَوْ سَيْلٍ يَحْدُثُ فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ ذَاتَ نَهْرٍ مِثْلِ النِّيلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعْلُو الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا زَرْعًا لَا يَصْلُحُ إلَّا بِأَنْ يُرْوَى بِالنِّيلِ لَا بِئْرَ لَهَا، وَلَا مَشْرَبَ غَيْرُهُ فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ، وَإِذَا تَكَارَاهَا وَالْمَاءُ قَائِمٌ عَلَيْهَا، وَقَدْ يَنْحَسِرُ لَا مَحَالَةَ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ الزَّرْعُ فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْحَسِرُ، وَلَا يَنْحَسِرُ كَرِهْت الْكِرَاءَ إلَّا بَعْدَ انْحِسَارِهِ، وَإِنْ غَرَّقَهَا بَعْدَ أَنْ صَحَّ كِرَاؤُهَا نِيلٌ أَوْ سَيْلٌ أَوْ شَيْءٌ يُذْهِبُ الْأَرْضَ أَوْ غُصِبَتْ انْتَقَضَ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا مِنْ يَوْمِ تَلِفَتْ الْأَرْضُ فَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضٌ، وَلَمْ يُزْرَعْ فَرَبُّ الزَّرْعِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تُسَلَّمْ لَهُ كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَ زَرَعَ بَطَلَ عَنْهُ مَا تَلِفَ وَلَزِمَهُ حِصَّةُ مَا زَرَعَ مِنْ الْكِرَاءِ.
وَكَذَا إذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ مِائَةَ صَاعٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَتَلِفَ خَمْسُونَ صَاعًا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ كُلَّ مَا اشْتَرَى وَكَذَلِكَ لَوْ اكْتَرَى دَارًا فَانْهَدَمَ بَعْضُهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ مِنْهَا مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَا يَتَبَعَّضُ مِنْ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ رَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مَا هُوَ غَيْرُ مَعِيبٍ وَالْمَسْكَنُ يَتَبَعَّضُ مِنْ الْمَسْكَنِ مِنْ الدَّارِ وَالْأَرْضُ كَذَلِكَ، وَإِنْ مَرَّ بِالْأَرْضِ مَاءٌ فَأَفْسَدَ زَرْعَهُ أَوْ أَصَابَهُ حَرِيقٌ أَوْ جَرَادٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ جَائِحَةٌ عَلَى الزَّرْعِ لَا عَلَى الْأَرْضِ كَمَا لَوْ اكْتَرَى مِنْهُ دَارًا لِلْبَزِّ فَاحْتَرَقَ الْبَزُّ وَلَوْ اكْتَرَاهَا؛ لِيَزْرَعَهَا قَمْحًا فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا مَا لَا يَضُرُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute