للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَجُوزُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ اُشْتُرِطَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ لَا يُبَاعَ الرَّهْنُ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ إلَّا بِمَا يُرْضِي الرَّاهِنَ أَوْ حَتَّى يَبْلُغَ كَذَا أَوْ بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَانَ الرَّهْنُ فَاسِدًا حَتَّى لَا يَكُونَ دُونَ بَيْعِهِ حَائِلٌ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ. وَلَوْ رَهَنَهُ نَخْلًا عَلَى أَنَّ مَا أَثْمَرَتْ أَوْ مَاشِيَةً عَلَى أَنَّ مَا نَتَجَتْ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ كَانَ الرَّهْنُ مِنْ النَّخْلِ وَالْمَاشِيَةِ رَهْنًا وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ ثَمَرُ الْحَائِطِ وَلَا نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِحَقٍّ وَاجِبٍ قَبْلَ الرَّهْنِ وَهَذَا كَرَجُلٍ رَهَنَ مِنْ رَجُلٍ دَارًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ أُخْرَى غَيْرَ أَنَّ الْبَيْعَ إنْ وَقَعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فُسِخَ الرَّهْنُ وَكَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ الشَّرْطُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هَذَا جَائِزٌ فِي قَوْلِ مَنْ أَجَازَ أَنْ يَرْهَنَهُ عَبْدَيْنِ فَيُصِيبَ أَحَدَهُمَا حُرًّا فَيُجِيزَ الْجَائِزَ وَيَرُدَّ الْمَرْدُودَ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ يَفْسُدُ كَمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ إذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ جَائِزًا وَغَيْرَ جَائِزٍ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: مَا قَطَعَ بِهِ وَأَثْبَتَهُ أَوْلَى وَجَوَابَاتُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ شَبِيهٌ. وَقَدْ قَالَ لَوْ تَبَايَعَا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ هَذَا الْعَصِيرَ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ فَإِذَا هُوَ مِنْ سَاعَتِهِ خَمْرٌ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ الرَّهْنُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ حَقًّا فَقَالَ قَدْ رَهَنْتُكَهُ بِمَا فِيهِ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَرَضِيَ كَانَ الْحَقُّ رَهْنًا وَمَا فِيهِ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ لِجَهْلِ الْمُرْتَهِنِ بِمَا فِيهِ وَأَمَّا الْخَرِيطَةُ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فِيهَا إلَّا بِأَنْ يَقُولَ دُونَ مَا فِيهَا وَيَجُوزُ فِي الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْحَقِّ أَنَّ لَهُ قِيمَةً وَالظَّاهِرُ مِنْ الْخَرِيطَةِ أَنْ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَإِنَّمَا يُرَادُ مَا فِيهَا وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلرَّهْنِ وَدَفَعَهُ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ وَغَيْرُ مَضْمُونٍ.

بَابُ ضَمَانِ الرَّهْنِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ وَالرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» وَوَصَلَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ أَوْ مِثْلُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ إذْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُ شَيْءٌ فَضَمَانُهُ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ» ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ «لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» وَغُنْمُهُ سَلَامَتُهُ وَزِيَادَتُهُ وَغُرْمُهُ عَطَبُهُ وَنُقْصَانُهُ.

أَلَا تَرَى لَوْ ارْتَهَنَ خَاتَمًا بِدِرْهَمٍ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهَلَكَ الْخَاتَمُ فَمَنْ قَالَ ذَهَبَ دِرْهَمُ الْمُرْتَهِنِ بِالْخَاتَمِ زَعَمَ أَنَّ غُرْمَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ دِرْهَمَهُ ذَهَبَ، وَكَانَ الرَّاهِنُ بَرِيئًا مِنْ غُرْمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ ثَمَنَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَلَمْ يَغْرَمْ لَهُ شَيْئًا، وَأَحَالَ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(قَالَ): وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَنْ يَدَعَ الرَّاهِنُ قَضَاءَ حَقِّهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): مِلْكُ الرَّهْنِ لِرَبِّهِ وَالْمُرْتَهِنُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهِ وَلَا مُخَاطِرٌ بِارْتِهَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا هَلَكَ بَطَلَ مَالُهُ كَانَ مُخَاطِرًا بِمَالِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَثِيقَةً لَهُ وَكَانَ خَيْرًا لَهُ تَرْكُ الِارْتِهَانِ بِأَنْ يَكُونَ مَالُهُ مَضْمُونًا فِي جَمِيعِ مَالِ غَرِيمِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَا ظَهَرَ هَلَاكُهُ وَخَفِيَ سَوَاءٌ لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ وَلَا الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الرَّهْنِ شَيْئًا إلَّا فِيمَا يَضْمَنَانِ فِيهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِالتَّعَدِّي فَإِنْ قَضَاهُ مَا فِي الرَّهْنِ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّاهِنُ فَحَبَسَهُ عَنْهُ وَهُوَ يُمْكِنُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ.

<<  <   >  >>