للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُخْتَصَرُ الْقِرَاضِ إمْلَاءً، وَمَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَيَّرَ رِبْحَ ابْنَيْهِ فِي الْمَالِ الَّذِي تَسَلَّفَا بِالْعِرَاقِ فَرَبِحَا فِيهِ بِالْمَدِينَةِ فَجَعَلَهُ قِرَاضًا عِنْدَمَا قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لَوْ جَعَلْته قِرَاضًا فَفَعَلَ وَأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَفَعَ مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ إلَّا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ أَثْمَانٌ لِلْأَشْيَاءِ وَقِيَمِهَا. (قَالَ): وَإِنْ قَارَضَهُ، وَجَعَلَ رَبُّ الْمَالِ مَعَهُ غُلَامَهُ وَشَرَطَ أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَامِلِ وَالْغُلَامِ أَثْلَاثًا فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَانَ لِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثَانِ وَلِلْعَامِلِ الثُّلُثُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَهُ إلَى مُدَّةٍ مِنْ الْمُدَدِ، وَلَا يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا دِرْهَمًا عَلَى صَاحِبِهِ، وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا أَوْ يَشْتَرِطَ أَنْ يُوَلِّيَهُ سِلْعَةً أَوْ عَلَى أَنْ يَرْتَفِقَ أَحَدُهُمَا فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ دُونَ صَاحِبِهِ أَوْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ أَوْ لَا يَشْتَرِي إلَّا سِلْعَةً بِعَيْنِهَا وَاحِدَةً أَوْ نَخْلًا أَوْ دَوَابَّ يَطْلُبُ ثَمَرَ النَّخْلِ وَنِتَاجَ الدَّوَابِّ وَبِحَبْسِ رِقَابِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَذَلِكَ كُلُّهُ فَاسِدٌ فَإِنْ عَمِلَ فِيهِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَالرِّبْحُ وَالْمَالُ لِرَبِّهِ.

(قَالَ): وَلَوْ اشْتَرَطَ أَنْ يَشْتَرِيَ صِنْفًا مَوْجُودًا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَجَائِزٌ، وَإِذَا سَافَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْ الْمَالِ مَنْ يَكْفِيهِ بَعْضَ الْمُؤْنَةِ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا يَعْمَلُهَا الْعَامِلُ وَلَهُ النَّفَقَةُ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنْ خَرَجَ بِمَالٍ لِنَفْسِهِ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ بِالْحِصَصِ، وَمَا اشْتَرَى فَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ، وَإِنْ اشْتَرَى وَبَاعَ بِالدَّيْنِ فَضَامِنٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي ذَهَابِ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِإِذْنِهِ عَتَقَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْمُضَارِبُ ضَامِنٌ وَالْعَبْدُ لَهُ وَالْمَالِكُ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْبَحَ فِي بَيْعِهِ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ يَشْتَرِي أَبَا سَيِّدِهِ فَالشِّرَاءُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ، وَلَا مَالَ لَهُ.

(وَقَالَ) فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى مَوْلَاهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا جَائِزٌ وَالْآخَرُ لَا يَجُوزُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): قِيَاسُ قَوْلِهِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ اشْتَرَى الْمُقَارِضُ أَبَا نَفْسِهِ بِمَالِ رَبِّ الْمَالِ وَفِي الْمَالِ فَضْلٌ أَوْ لَا فَضْلَ فِيهِ فَسَوَاءٌ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ وَكِيلٍ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ، وَلَا رِبْحَ لِلْعَامِلِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ رَبِّ الْمَالِ مَالَهُ، وَلَا يَسْتَوْفِيهِ رَبُّهُ إلَّا، وَقَدْ بَاعَ أَبَاهُ وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ إلَى رَبِّهِ كَانَ مُشَارِكًا لَهُ وَلَوْ خَسِرَ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا أَقَلَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَانَ فِيمَا بَقِيَ شَرِيكًا؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا زَائِدًا مَلَكَهُ نَاقِصًا.

(قَالَ): وَمَتَى شَاءَ رَبُّهُ أَخْذَ مَالِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ، وَمَتَى شَاءَ الْعَامِلُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْقِرَاضِ خَرَجَ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ صَارَ لِوَارِثِهِ فَإِنْ رَضِيَ تَرَكَ الْمُقَارِضَ عَلَى قِرَاضِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ انْفَسَخَ قِرَاضُهُ، وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ لَمْ يَكُنْ لِوَارِثِهِ أَنْ يَعْمَلَ مَكَانَهُ، وَيَبِيعَ مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مَعَ مَا كَانَ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ أَدَاةِ السَّفَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ كَانَ لِوَارِثِهِ، وَإِنْ كَانَ خُسْرَانٌ كَانَ ذَلِكَ، وَإِنْ قَارَضَ الْعَامِلُ بِالْمَالِ آخَرَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ فَإِنْ رَبِحَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ شَطْرُ الرِّبْحِ ثُمَّ يَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ شَطْرُهُ فِيمَا يَبْقَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ): هَذَا قَوْلُهُ قَدِيمًا وَأَصْلُ قَوْلِهِ الْجَدِيدِ الْمَعْرُوفِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ جُوِّزَ حَتَّى يُبْتَدَأَ بِمَا يَصْلُحُ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى بِغَيْرِ الْعَيْنِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ لِلْمُقَارِضِ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلِلْعَامِلِ الثَّانِي أَجْرُ مِثْلِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ حَالَ عَلَى سِلْعَةٍ فِي الْقِرَاضِ

<<  <   >  >>