بَابُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْيَمِينِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى غَيْرَ ذَمٍّ فِي مَالٍ أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ وَاسْتَحِقَّ فَإِنْ أَبَيْت سَأَلْنَاك عَنْ إبَائِك فَإِنْ كَانَ لِتَأْتِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ لِتَنْظُرَ فِي حِسَابِك تَرَكْنَاك.
وَإِنْ قُلْت: لَا أُؤَخِّرُ ذَلِكَ لِشَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي لَا أَحْلِفُ أَبْطَلْنَا أَنْ تَحْلِفَ وَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ فَنَكَلَ الْمُدَّعِي فَأَبْطَلْنَا يَمِينَهُ ثُمَّ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ بِشَاهِدٍ وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ أَخَذْنَا لَهُ حَقَّهُ وَالْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وَلَوْ رَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَقَالَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَا أَحْلِفُ لَمْ أَجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنِّي قَدْ أَبْطَلْت أَنْ يَحْلِفَ وَحَوَّلْت الْيَمِينَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ قَالَ: أُحَلِّفُهُ مَا اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ لَمْ أُحَلِّفْهُ إلَّا مَا لِهَذَا وَيُسَمِّيهِ فِي هَذَا الدَّارِ حَقٌّ تُمْلَكُ وَلَا غَيْرَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُهَا وَتَخْرُجُ مِنْ يَدَيْهِ.
بَابُ النُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ
مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ اخْتِلَافِ الشَّهَادَاتِ وَالْحُكَّامِ وَمِنْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَمِنْ إمْلَاءٍ فِي الْحُدُودِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَقُومُ النُّكُولُ مَقَامَ إقْرَارٍ فِي شَيْء حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ يَمِينُ الْمُدَّعِي فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أَحَلَفْت فِي الْحُدُودِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَالْأَمْوَالِ وَجَعَلْت الْأَيْمَانَ كُلَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَعَلْتهَا كُلَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي؟ قِيلَ: قُلْته اسْتِدْلَالًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ثُمَّ الْخَبَرِ عَنْ عُمَرَ حُكْمُ اللَّهِ عَلَى الْقَاذِفِ غَيْرِ الزَّوْجِ بِالْحَدِّ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا مِنْهُ إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَأَخْرَجَ الزَّوْجَ مِنْ الْحَدِّ بِأَنْ يَحْلِفَ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ وَيَلْتَعِنَ بِخَامِسَةٍ فَيُسْقِطَ عَنْهُ الْحَدَّ وَيُلْزِمَهَا إنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ أَيْمَانٍ وَالْتِعَانِهَا، وَسَنَّ بَيْنَهُمَا الْفُرْقَةَ وَدَرَأَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْحَدَّ بِالْأَيْمَانِ وَالْتِعَانِهِ.
وَكَانَتْ أَحْكَامُ الزَّوْجَيْنِ وَإِنْ خَالَفَتْ أَحْكَامَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي شَيْءٍ فَهِيَ مُجَامَعَةٌ لَهَا فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ فِيهِ جَمَعَتْ دَرْءَ الْحَدِّ عَنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَفُرْقَةِ وَنَفْيِ وَلَدٍ فَكَانَ هَذَا الْحَدُّ وَالْفِرَاقُ وَالنَّفْيُ مَعًا دَاخِلَةً فِيهَا وَلَا يَحِقُّ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ حِينَ يَقْذِفُهَا الزَّوْجُ إلَّا بِيَمِينِهِ وَتَنْكُلُ عَنْ الْيَمِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ بِالْقَذْفِ وَلِتَرْكِ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِالْيَمِينِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَرْأَةِ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ.
أَوْ لَا تَرَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْأَنْصَارِيِّينَ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا رَدَّ الْأَيْمَانَ عَلَى يَهُودَ لِيَبْرَءُوا بِهَا فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْهَا الْأَنْصَارِيُّونَ تَرَكُوا حَقَّهُمْ» أَوْ لَا تَرَى عُمَرَ جَعَلَ الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِينَ وَكُلُّ هَذَا تَحْوِيلُ يَمِينٍ مِنْ مَوْضِعٍ قَدْ نُدِبَتْ فِيهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُخَالِفُهُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينُ».
وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ وَهُمَا لَفْظَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» مَخْرَجُهُمَا وَاحِدٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنْ جَاءَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ أَخَذَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا حَدَثَ لَهُ حُكْمُ غَيْرِهَا وَهُوَ اسْتِحْلَافُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ جَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ بَرِئَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا لَزِمَهُ مَا نَكَلَ عَنْهُ وَلَمْ يَحْدُثْ لَهُ حُكْمٌ غَيْرُهَا وَيَجُوزُ رَدُّ الْيَمِينِ كَمَا حَدَثَ لِلْمُدَّعِي، إنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا حُكْمٌ غَيْرُهُ وَهُوَ الْيَمِينُ وَإِذْ حَوَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَمِينَ حَيْثُ وَضَعَهَا فَكَيْفَ لَمْ تُحَوَّلْ كَمَا حَوَّلَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute