للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صِفَةُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَجِرَاحُ الْعَمْدِ الَّتِي فِيهَا قِصَاصٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا عَمَدَ رَجُلٌ بِسَيْفٍ أَوْ خِنْجَرٍ أَوْ سِنَانِ رُمْحٍ أَوْ مَا يَشُقُّ بِحَدِّهِ إذَا ضَرَبَ أَوْ رَمَى بِهِ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ دُونَ الْمَقْتَلِ فَجَرَحَهُ جُرْحًا كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا فَمَاتَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْقَوْدُ، وَإِنْ شَدَخَهُ بِحَجَرٍ أَوْ تَابَعَ عَلَيْهِ الْخَنْقَ أَوْ وَالَى عَلَيْهِ بِالسَّوْطِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ طَيَّنَ عَلَيْهِ بَيْتًا بِغَيْرِ طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ مُدَّةً الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ فِي شِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْهُ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوْدُ.

(قَالَ): وَلَوْ قَطَعَ مَرِيئَهُ وَحُلْقُومَهُ أَوْ قَطَعَ حَشْوَتَهُ فَأَبَانَهَا مِنْ جَوْفِهِ أَوْ صَيَّرَهُ فِي حَالِ الْمَذْبُوحِ ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ آخَرُ فَالْأَوَّلُ قَاتِلٌ دُونَ الْآخَرِ، وَلَوْ أَجَافَهُ أَوْ خَرَقَ أَمْعَاءَهُ مَا لَمْ يَقْطَعْ حَشْوَتَهُ فَيُبَيِّنُهَا مِنْهُ ثُمَّ ضَرَبَ آخَرُ عُنُقَهُ فَالْأَوَّلُ جَارِحٌ وَالْآخَرُ قَاتِلٌ قَدْ جُرِحَ مِعَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَوْضِعَيْنِ وَعَاشَ ثَلَاثًا فَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ كَانَ قَاتِلًا وَبَرِئَ الَّذِي جَرَحَهُ مِنْ الْقَتْلِ، وَلَوْ جَرَحَهُ جِرَاحَاتٍ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى عَادَ إلَيْهِ فَذَبَحَهُ صَارَ وَالْجِرَاحُ نَفْسًا، وَلَوْ بَرَأَتْ الْجِرَاحَاتُ ثُمَّ عَادَ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْجَارِحِ مُنْفَرِدًا وَمَا عَلَى الْقَاتِلِ مُنْفَرِدًا.

(قَالَ): وَلَوْ تَدَاوَى الْمَجْرُوحُ بِسُمٍّ فَمَاتَ أَوْ خَاطَ الْجُرْحَ فِي لَحْمٍ حَيٍّ فَمَاتَ فَعَلَى الْجَانِي نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْخِيَاطَةُ فِي لَحْمِ مَيِّتٍ فَالدِّيَةُ عَلَى الْجَانِي.

وَلَوْ قَطَعَ يَدَ نَصْرَانِيٍّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَكُنْ قَوَدٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ وَهُوَ مِمَّنْ لَا قَوَدَ فِيهِ وَعَلَيْهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ وَلَا يُشْبِهُ الْمُرْتَدَّ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ مُبَاحٌ كَالْحَدِّ وَالنَّصْرَانِيُّ يَدُهُ مَمْنُوعَةٌ، وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا فَلَمْ يَقَعْ عَلَى نَصْرَانِيٍّ حَتَّى أَسْلَمَ أَوْ عَلَى عَبْدٍ فَلَمْ يَقَعْ حَتَّى أُعْتِقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ؛ لِأَنَّ تَخْلِيَةَ السَّهْمِ كَانَتْ وَلَا قِصَاصَ وَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَالْكَفَّارَةُ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ يُسْلِمُ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ لِتَحَوُّلِ الْحَالِ قَبْلَ وُقُوعِ الرَّمْيَةِ، وَلَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَالدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا قَوْدَ لِلْحَالِ الْحَادِثَةِ، وَلَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا كَانَ لِوَلِيِّهِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَقْتَصَّ بِالْجُرْحِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) الْقِيَاسُ عِنْدِي عَلَى أَصْلِ قَوْلِهِ أَنْ لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى مُرْتَدٍّ كَمَا لَا وِرَاثَةَ لَهُ مِنْهُ وَكَمَا أَنَّ مَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ فِي الْقِصَاصِ مَنْ جَرَحَهُ وَلِيُّ الْمُسْلِمِينَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَتَانِ مِنْ الْإِبِلِ فَأُعْتِقَ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا دِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَنْقُصُ بِمَوْتِهِ حُرًّا وَكَانَتْ الدِّيَةُ لِسَيِّدِهِ دُونَ وَرَثَتِهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّ السَّيِّدَ قَدْ مَلَكَ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَهُوَ عَبْدٌ فَلَا يَنْقُصُ مَا وَجَبَ لَهُ بِالْعِتْقِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ وَأُعْتِقَ ثُمَّ مَاتَ فَلَا قَوْدَ إذَا كَانَ الْجَانِي حُرًّا مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا حُرًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا حُرًّا وَعَلَى الْحُرِّ الدِّيَةُ كَامِلَةً فِي مَالِهِ لِلسَّيِّدِ مِنْهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَطَعَهُ وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ، وَلَوْ قَطَعَ ثَانٍ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ رِجْلَهُ وَثَالِثٌ بَعْدَهُمَا يَدَهُ فَمَاتَ فَعَلَيْهِمْ دِيَةُ حُرٍّ وَفِيمَا لِلسَّيِّدِ مِنْ الدِّيَةِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ الْأَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَنِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا وَلَا يَجْعَلُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ لَا يَبْلُغُ إلَّا بَعِيرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ جِنَايَةٌ غَيْرَهَا وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ ثُلُثَ دِيَةِ حُرٍّ، وَلَوْ كَانَ نِصْفُ قِيمَتِهِ مِائَةَ بَعِيرٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تَنْقُصُ بِالْمَوْتِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ لِسَيِّدِهِ الْأَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ قِيمَتِهِ عَبْدًا أَوْ ثُلُثِ دِيَتِهِ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَةٍ ثَالِثَةٍ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قَطَعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَوْ جَرَحَهُ مَا الْحُكُومَةُ فِيهِ بَعِيرٌ وَلَزِمَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَمَنْ شَرِكَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يَأْخُذْ

<<  <   >  >>