إلَّا لِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْقَى إلَّا بِوَاحِدٍ وَلَوْ أَسْهَمَ لِاثْنَيْنِ لَأَسْهَمَ لِأَكْثَرَ، وَلَا يُسْهِمُ لِرَاكِبِ دَابَّةٍ غَيْرِ دَابَّةِ الْخَيْلِ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ فَلَا يُدْخِلُ إلَّا شَدِيدًا، وَلَا يُدْخِلُ حَطِمًا، وَلَا قَمْحًا ضَعِيفًا، وَلَا ضَرْعًا.
(قَالَ الْمُزَنِيّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَحْمُ الْكَبِيرُ وَالضَّرْعُ الصَّغِيرُ، وَلَا أَعْجَفَ رَازِحًا، وَإِنْ أُغْفِلَ فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَقَدْ قِيلَ لَا يُسْهِمُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي غَنَاءَ الْخَيْلِ الَّتِي يُسْهَمُ لَهَا، وَلَا أَعْلَمُهُ أَسْهَمَ فِيمَا مَضَى عَلَى مِثْلِ هَذِهِ، وَإِنَّمَا يُسْهِمُ لِلْفَرَسِ إذَا حَضَرَ صَاحِبُهُ شَيْئًا مِنْ الْحَرْبِ فَارِسًا فَأَمَّا إذَا كَانَ فَارِسًا إذَا دَخَلَ بِلَادَ الْعَدُوِّ ثُمَّ مَاتَ فَرَسُهُ أَوْ كَانَ فَارِسًا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ وَجَمْعِ الْغَنِيمَةِ فَلَا يُضْرَبُ لَهُ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ثُبِتَ فِي الدِّيوَانِ حِينَ دَخَلَ لَكَانَ صَاحِبُهُ إذَا دَخَلَ ثُبِتَ فِي الدِّيوَانِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ أَحَقَّ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ. وَلَوْ دَخَلَ يُرِيدُ الْجِهَادَ فَمَرِضَ، وَلَمْ يُقَاتِلْ أَسْهَمَ لَهُ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَجِيرٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فَقَدْ قِيلَ يُسْهَمُ لَهُ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُسْهِمَ لَهُ وَتُطْرَحَ الْإِجَارَةُ، وَلَا يُسْهَمُ لَهُ وَقِيلَ يُرْضَخُ لَهُ.
(قَالَ): وَلَوْ أَفْلَتَ إلَيْهِمْ أَسِيرٌ قَبْلَ تَحَرُّزِ الْغَنِيمَةِ فَقَدْ قِيلَ يُسْهَمُ لَهُ وَقِيلَ لَا يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ فَيُقَاتِلَ فَأَرَى أَنْ يُسْهَمَ لَهُ. وَلَوْ دَخَلَ تُجَّارٌ فَقَاتَلُوا لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يُسْهَمَ لَهُمْ وَقِيلَ لَا يُسْهَمُ لَهُمْ، وَلَوْ جَاءَهُمْ مَدَدٌ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ فَحَضَرُوا مِنْهَا شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ شَرَكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ فَإِنْ انْقَضَتْ الْحَرْبُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْغَنِيمَةِ مَانِعٌ لَمْ يُشْرِكُوهُمْ وَلَوْ أَنَّ قَائِدًا فَرَّقَ جُنْدَهُ فِي وَجْهَيْنِ فَغَنِمَتْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ أَوْ غَنِمَ الْعَسْكَرُ، وَلَمْ تَغْنَمْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا شَرَكُوهُمْ؛ لَأَنَّهُمْ جَيْشٌ وَاحِدٌ وَكُلُّهُمْ رِدْءٌ لِصَاحِبِهِ «قَدْ مَضَتْ خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمُوا بِأَوْطَاسٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً وَأَكْثَرُ الْعَسَاكِرِ بِحُنَيْنٍ فَشَرِكُوهُمْ وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَكِنْ لَوْ كَانَ قَوْمٌ مُقِيمِينَ بِبِلَادِهِمْ فَخَرَجَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ فَغَنِمُوا لَمْ يُشْرِكُوهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مِنْهُمْ قَرِيبًا؛ لِأَنَّ السَّرَايَا كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَتَغْنَمُ فَلَا يُشْرِكُهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. وَلَوْ أَنَّ إمَامًا بَعَثَ جَيْشَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِدٌ وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَوَجَّهَ نَاحِيَةً غَيْرَ نَاحِيَةِ صَاحِبِهِ مِنْ بِلَادِ عَدُوِّهِمْ فَغَنِمَ أَحَدُ الْجَيْشَيْنِ لَمْ يُشْرِكْهُمْ الْآخَرُونَ فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَغَنِمُوا مُجْتَمَعِينَ فَهُمْ كَجَيْشٍ وَاحِدٍ.
بَابُ تَفْرِيقِ الْخُمُسِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الْآيَةَ، وَرُوِيَ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَسَّمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَتَيْته أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ إخْوَانُنَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ، أَرَأَيْت إخْوَانَنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكْتنَا وَإِنَّمَا قَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعْطِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا بَنِي نَوْفَلٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَيُعْطِي سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فِي ذِي الْقُرْبَى حَيْثُ كَانُوا، وَلَا يُفَضَّلُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ حَضَرَ الْقِتَالَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا سَهْمُهُ فِي الْغَنِيمَةِ كَسَهْمِ الْعَامَّةِ وَلَا فَقِيرٌ عَلَى غَنِيٍّ وَيُعْطِي الرَّجُلَ سَهْمَيْنِ وَالْمَرْأَةَ سَهْمًا؛ لِأَنَّهُمْ أُعْطُوا بِاسْمِ الْقَرَابَةِ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَعْطَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَهُمْ مِائَةَ وَسْقٍ وَبَعْضَهُمْ أَقَلَّ قِيلَ: لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ ذَا وَلَدٍ فَإِذَا أَعْطَاهُ حَظَّهُ وَحَظَّ غَيْرِهِ فَقَطْ أَعْطَاهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا حَكَيْت مِنْ التَّسْوِيَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَقِيت مِنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِنَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ أُعْطُوا وَإِنَّ حَدِيثَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute