أَنَّ اللَّهَ مَنَعَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ وَحَكَمَ فِيهِنَّ غَيْرَ حُكْمِهِ فِي الرِّجَالِ وَبِهَذَا قُلْنَا: لَوْ أَعْطَى الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْأَمَانَ عَلَى أَسِيرٍ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَالٍ ثُمَّ جَاءُوهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا نَزْعُهُ مِنْهُمْ بِلَا عِوَضٍ وَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ إلَى أَبِيهِ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ إلَى أَهْلِهِ قِيلَ لَهُ أَهْلُوهُمْ أَشْفَقُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى سَلَامَتِهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَقُونَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يُؤْذِيهِمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونُوا مُتَّهَمِينَ عَلَى أَنْ يَنَالُوهُمْ بِتَلَفٍ أَوْ عَذَابٍ وَإِنَّمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ دِينَهُمْ فَكَانُوا يُشَدِّدُونَ عَلَيْهِمْ بِتَرْكِ دِينِهِمْ كُرْهًا وَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ الْمَأْثَمَ فِي إكْرَاهِهِمْ أَوَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ إذَا أُرِيدَ بِهِنَّ الْفِتْنَةُ ضَعُفْنَ وَلَمْ يَفْهَمْنَ فَهْمَ الرِّجَالِ وَكَانَ التَّقِيَّةُ تَسَعُهُنَّ وَكَانَ فِيهِنَّ أَنْ يُصِيبَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَهُنَّ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ قَالَ: وَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةٌ مُهَادَنَةٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ فَجَاءَ سِوَى زَوْجِهَا فِي طَلَبِهَا مُنِعَ مِنْهَا بِلَا عِوَضٍ. وَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا يُعْطَى مَا أَنْفَقَ وَهُوَ مَا دَفَعَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ.
وَالْآخَرُ لَا يُعْطَى وَقَالَ فِي آخِرِ الْجَوَابِ وَأَشْبَهُهُمَا أَنْ لَا يُعْطَوْا عِوَضًا.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَشْبَهُ بِالْحَقِّ عِنْدِي وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ هَذَا الْعَقْدَ إلَّا الْخَلِيفَةُ أَوْ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَالَ كُلَّهَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ إنْفَاذُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى خَرْجٍ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ يَكُونُ فِي أَمْوَالِهِمْ مَضْمُونًا كَالْجِزْيَةِ وَلَا يَجُوزُ عُشُورُ مَا زَرَعُوا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ.
بَابُ تَبْدِيلِ أَهْلِ الذِّمَّةِ دِينَهُمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ دَانَ دِينَ كِتَابِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ آبَاؤُهُ دَانُوا بِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ فَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ بَدَّلَ يَهُودِيَّةً بِنَصْرَانِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةً بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةً بِنَصْرَانِيَّةٍ أَوْ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ عَلَى مَا دَانُوا بِهِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَذَلِكَ خِلَافُ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الدِّينِ بَعْدَهُ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَإِلَّا نُبِذَ إلَيْهِ عَهْدُهُ وَأُخْرِجَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِمَا لَهُ وَصَارَ حَرْبًا وَمَنْ بَدَّلَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِيَّةٍ لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ إذَا بَدَّلَتْ بِدِينٍ يَحِلُّ نِكَاحُ أَهْلِهِ فَهِيَ حَلَالٌ وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) فَمَنْ دَانَ مِنْهُمْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
بَابُ نَقْضِ الْعَهْدِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا نَقَضَ الَّذِينَ عَقَدُوا الصُّلْحَ عَلَيْهِمْ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَلَمْ يُخَالِفُوا النَّاقِضَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ظَاهِرٍ أَوْ اعْتِزَالِ بِلَادِهِمْ أَوْ يُرْسِلُونَ إلَى الْإِمَامِ أَنَّهُمْ عَلَى صُلْحِهِمْ فَلِلْإِمَامِ غَزْوُهُمْ وَقَتْلُ مُقَاتِلِيهِمْ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِيمَةُ أَمْوَالِهِمْ وَهَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَنِي قُرَيْظَةَ عَقَدَ عَلَيْهِمْ صَاحِبُهُمْ فَنَقَضَ وَلَمْ يُفَارِقُوهُ وَلَيْسَ كُلُّهُمْ أَشْرَكَ فِي الْمَعُونَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ كُلُّهُمْ لَزِمَ حِصْنَهُ فَلَمْ يُفَارِقْ النَّاقِضَ إلَّا نَفَرٌ مِنْهُمْ، وَأَعَانَ عَلَى خُزَاعَةَ وَهُمْ فِي عَقْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَشَهِدُوا قِتَالَهُمْ فَغَزَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا عَامَ الْفَتْحِ بِغَدْرِ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنْهُمْ وَتَرْكِهِمْ مَعُونَةَ خُزَاعَةَ وَإِيوَائِهِمْ مَنْ قَاتَلَهَا قَالَ: وَمَتَى ظَهَرَ مِنْ مُهَادِنِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى خِيَانَتِهِمْ نُبِذَ إلَيْهِمْ عَهْدُهُمْ وَأَبْلَغَهُمْ مَأْمَنَهُمْ ثُمَّ هُمْ حَرْبٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} الْآيَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute