بَابُ مَا يُوجِبُ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ الْكَفَّارَةَ مِنْ كِتَابَيْ الظِّهَارِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ وَمَا دَخَلَهُ مِنْ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} الْآيَةَ قَالَ: وَاَلَّذِي عَقَلْت مِمَّا سَمِعْت فِي {يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} الْآيَةَ أَنَّهُ إذَا أَتَتْ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ مُدَّةٌ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالظِّهَارِ لَمْ يُحَرِّمْهَا بِالطَّلَاقِ الَّذِي تَحْرُمُ بِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ فَخَالَفَهُ فَأَحَلَّ مَا حَرَّمَ وَلَا أَعْلَمُ مَعْنًى أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا.
(قَالَ): وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ.
وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وَقْتٌ؛ لَأَنْ يُؤَدِّيَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمُمَاسَّةِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَانَ هَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عُقُوبَةً مُكَفِّرَةً لِقَوْلِ الزُّورِ فَإِذَا مَنَعَ الْجِمَاعَ أَحْبَبْت أَنْ يَمْنَعَ الْقُبَلَ وَالتَّلَذُّذَ احْتِيَاطًا حَتَّى يُكَفِّرَ فَإِنْ مَسَّ لَمْ تَبْطُلْ الْكَفَّارَةُ كَمَا يُقَالُ لَهُ: أَدِّ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِ كَذَا وَقَبْلَ وَقْتِ كَذَا فَيَذْهَبُ الْوَقْتُ فَيُؤَدِّيهَا بَعْدَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ، وَلَوْ أَصَابَهَا وَقَدْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فِي لَيْلِ الصَّوْمِ لَمْ يُنْتَقَضْ صَوْمُهُ وَمَضَى عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ كَانَ صَوْمُهُ يُنْتَقَضُ بِالْجِمَاعِ لَمْ تُجْزِئْهُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْجِمَاعِ.
وَلَوْ تَظَاهَرَ وَأَتْبَعَ الظِّهَارَ طَلَاقًا تَحِلُّ فِيهِ قَبْلَ زَوْجٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَوْ لَا يَمْلِكُهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا سَاعَةَ نَكَحَهَا؛ لِأَنَّ مُرَاجَعَتَهُ إيَّاهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ أَكْثَرُ مِنْ حَبْسِهَا بَعْدَ الظِّهَارِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا خِلَافُ أَصْلِهِ كُلُّ نِكَاحٍ جَدِيدٍ لَمْ يُعْمَلْ فِيهِ طَلَاقٌ وَلَا ظِهَارٌ إلَّا جَدِيدٌ (وَقَدْ قَالَ) فِي هَذَا الْكِتَابِ لَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ أَتْبَعَهَا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ نَكَحَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الظِّهَارُ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُظَاهِرَ مِنْهَا فَيَعُودُ عَلَيْهِ الظِّهَارُ إذَا نَكَحَهَا جَازَ ذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَزَوْجٍ غَيْرِهِ وَهَكَذَا الْإِيلَاءُ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ وَأَوْلَى بِقَوْلِهِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ كَانَ فِي مِلْكٍ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ زَالَ مَا فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ فَلَمَّا زَالَ ذَلِكَ النِّكَاحُ زَالَ مَا فِيهِ مِنْ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ.
(قَالَ): وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ لَاعَنَهَا مَكَانَهُ بِلَا فَصْلٍ سَقَطَ الظِّهَارُ، وَلَوْ كَانَ حَبَسَهَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ اللِّعَانُ فَلَمْ يُلَاعِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
(وَقَالَ) فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى لَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا يَوْمًا فَلَمْ يُصِبْهَا حَتَّى انْقَضَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ آلَى فَسَقَطَتْ الْيَمِينُ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْيَمِينِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْلُ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُتَظَاهِرَ إذَا حَبَسَ امْرَأَتَهُ مُدَّةً يُمْكِنُهُ الطَّلَاقُ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهَا فَقَدْ عَادَ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَقَدْ حَبَسَهَا هَذَا بَعْدَ التَّظَاهُرِ يَوْمًا يُمْكِنُهُ الطَّلَاقُ فِيهِ فَتَرَكَهُ فَعَادَ إلَى اسْتِحْلَالِ مَا حَرَّمَ فَالْكَفَّارَةُ لَازِمَةٌ لَهُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ، وَكَذَا قَالَ لَوْ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الظِّهَارِ وَأَمْكَنَ الطَّلَاقُ فَلَمْ يُطَلِّقْ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ تَظَاهَرَ وَآلَى قِيلَ: إنْ وَطِئْت قَبْلَ الْكَفَّارَةِ خَرَجْت مِنْ الْإِيلَاءِ وَأَثِمْت، وَإِنْ انْقَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَفْت فَإِنْ قُلْت: أَنَا أُعْتِقُ أَوْ أُطْعِمُ لَمْ نُمْهِلْك أَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُك الْيَوْمَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَإِنْ قُلْت: أَصُومُ، قِيلَ: إنَّمَا أُمِرْت بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ بِأَنْ تَفِيءَ أَوْ تُطَلِّقَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ لَك سَنَةٌ.