للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَا وِلَايَةَ بَعْدَ النَّسَبِ إلَّا لِلْمُعْتِقِ ثُمَّ أَقْرَبِ النَّاسِ بِعَصَبَةِ مُعْتِقِهَا فَإِنْ اسْتَوَتْ الْوُلَاةُ فَزَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا دُونَ أَسَنِّهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ كُفُؤًا جَازَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ كُفُؤٍ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ قَبْلَ إنْكَاحِهِ فَيَكُونُ حَقًّا لَهُمْ تَرَكُوهُ.

(قَالَ): وَلَيْسَ نِكَاحُ غَيْرِ الْكُفُؤِ بِمُحَرَّمٍ فَأَرُدُّهُ بِكُلِّ حَالٍ إنَّمَا هُوَ تَقْصِيرٌ عَنْ الْمُزَوَّجَةِ وَالْوُلَاةِ وَلَيْسَ نَقْصُ الْمَهْرِ نَقْصًا فِي النَّسَبِ وَالْمَهْرُ لَهَا دُونَهُمْ فَهِيَ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَثَمَّ أَوْلَى مِنْهُ فَإِنْ كَانَ أَوْلَاهُمْ بِهَا مَفْقُودًا أَوْ غَائِبًا بَعِيدَةً كَانَتْ غَيْبَتُهُ أَمْ قَرِيبَةً زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ بَعْدَ أَنْ يَرْضَى الْخَاطِبُ وَيَحْضُرَ أَقْرَبُ وُلَاتِهَا وَأَهْلُ الْحَزْمِ مِنْ أَهْلِهَا وَيَقُولُ: هَلْ تَنْقِمُونَ شَيْئًا؟ فَإِنْ ذَكَّرُوهُ نَظَرَ فِيهِ، وَلَوْ عَضَلهَا الْوَلِيُّ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ وَالْعَضْلُ أَنْ تَدْعُوَ إلَى مِثْلِهَا فَيَمْتَنِعُ.

(قَالَ): وَوَكِيلُ الْوَلِيِّ يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ كُفُؤٍ لَمْ يَجُزْ وَوَلِيُّ الْكَافِرَةِ كَافِرٌ وَلَا يَكُونُ الْمُسْلِمُ وَلِيًّا لِكَافِرَةٍ لِقَطْعِ اللَّهِ الْوِلَايَةَ بَيْنَهُمَا بِالدِّينِ إلَّا عَلَى أَمَتِهِ وَإِنَّمَا صَارَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَهُ تَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ حَبِيبَةَ وَوَلِيَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا ابْنُ سَعِيدِ بْنُ الْعَاصِ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَأَبُو سُفْيَانَ حَيٌّ وَكَانَ وَكِيلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) لَيْسَ هَذَا حُجَّةً فِي إنْكَاحِ الْأَمَةِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ لَا مَعْنَى لِكَافِرٍ فِي مُسْلِمَةٍ، فَكَانَ ابْنُ سَعِيدٍ وَوَكِيلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِمَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِيهَا مَعْنًى فِي وِلَايَةِ مُسْلِمَةٍ إذَا كَانَ كَافِرًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا غَيْرَ عَالِمٍ بِمَوْضِعِ الْحَظِّ أَوْ سَقِيمًا مُؤْلَمًا أَوْ بِهِ عِلَّةٌ تُخْرِجُهُ مِنْ الْوِلَايَةِ فَهُوَ كَمَنْ مَاتَ فَإِذَا صَلُحَ صَارَ وَلِيًّا، وَلَوْ قَالَتْ: قَدْ أَذِنْت فِي فُلَانٍ فَأَيُّ وُلَاتِي زَوَّجَنِي فَهُوَ جَائِزٌ فَأَيُّهُمْ زَوَّجَهَا جَازَ، وَإِنْ تَشَاحُّوا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ السُّلْطَانُ، وَلَوْ أَذِنَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَا فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَزَوَّجَهَا كُلُّ وَاحِدٍ رَجُلًا فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ» فَإِنْ لَمْ تُثْبِتْ الشُّهُودُ أَيُّهُمَا أَوَّلٌ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا عَلَى هَذَا كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَهُمَا يُقِرَّانِ أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ غَائِبَةً عَنْ النِّكَاحِ، وَلَوْ ادَّعَيَا عَلَيْهَا أَنَّهَا تَعْلَمُ أُحْلِفَتْ مَا تَعْلَمُ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا لَزِمَهَا، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِأَمْرِهَا مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ نَفْسِهِ.

(قَالَ): وَيُزَوِّجُ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ الِابْنَةَ الَّتِي يُؤَيَّسُ مِنْ عَقْلِهَا؛ لِأَنَّ لَهَا فِيهِ عَفَافًا وَغِنًى وَرُبَّمَا كَانَ شِفَاءً، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا وَيُزَوِّجُ الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ أَبُوهُ إذَا كَانَتْ بِهِ إلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ وَابْنَهُ الصَّغِيرَ فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا أَوْ مَخْبُولًا كَانَ النِّكَاحُ مَرْدُودًا؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ وَلَيْسَ لِأَب الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهُ وَلَا يَضْرِبَ لِامْرَأَتِهِ أَجَلَ الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَوْ بِكْرًا لَمْ يُعْقَلْ أَنْ يَدْفَعَهَا عَنْ نَفْسِهِ بِالْقَوْلِ أَنَّهَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ وَلَا يُخَالِعُ عَنْ الْمَعْتُوهَةِ وَلَا يُبْرِئُ زَوْجَهَا مِنْ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهَا، فَإِنْ هَرَبَتْ وَامْتَنَعَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ فِيهَا وَقِيلَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فِيهَا فَيْء أَوْ طَلِّقْ فَإِنْ قَذَفَهَا أَوْ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا قِيلَ لَهُ: إنْ أَرَدْت أَنْ تَنْفِيَ وَلَدَهَا فَالْتَعِنْ فَإِذَا الْتَعَنَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَنُفِيَ عَنْهُ الْوَلَدُ فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ يُعَزَّرْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّبِيَّةَ عَبْدًا وَلَا غَيْرَ كُفْءٍ وَلَا مَجْنُونًا وَلَا مَخْبُولًا وَلَا مَجْذُومًا وَلَا أَبْرَصَ وَلَا مَجْبُوبًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكْرِهَ أَمَتَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ بِنِكَاحٍ وَلَا يُزَوِّجُ أَحَدٌ أَحَدًا مِمَّنْ بِهِ إحْدَى هَذِهِ الْعِلَلِ وَلَا مَنْ لَا يُطَاقُ جِمَاعُهَا وَلَا أَمَةً؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ وَيُنْكِحُ أَمَةَ الْمَرْأَةِ وَلِيُّهَا بِإِذْنِهَا وَأَمَةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ السَّيِّدِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنًا إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَيُحْدِثَ لَهُ حَجْرًا ثُمَّ هِيَ أَمَتُهُ، وَلَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يُزَوِّجَهَا دُونَ الْعَبْدِ أَوْ الْعَبْدَ دُونَ السَّيِّدِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ بِحَالٍ، وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى تَزْوِيجِهَا لَمْ يَجُزْ (وَقَالَ) فِي بَابِ الْخِيَارِ مِنْ قِبَلِ النَّسَبِ: لَوْ انْتَسَبَ الْعَبْدُ لَهَا أَنَّهُ حُرٌّ فَنَكَحَتْهُ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ عَلِمَتْ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ انْتَسَبَ إلَى نَسَبٍ وُجِدَ دُونَهُ وَهِيَ فَوْقَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ؛ لِأَنَّهُ مَنْكُوحٌ بِعَيْنِهِ وَغَرَّرَ بِشَيْءٍ وُجِدَ دُونَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ النِّكَاحَ مَفْسُوخٌ كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ

<<  <   >  >>