للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ مَقَاتِلِهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ دُونَ جُرْحِ الْجَنَاحِ، وَلَوْ كَانَ جُرْحًا كَالْجُرْحِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَخَذَهُ رَبُّهُ فَمَاتَ فِي يَدَيْهِ فَقَدْ مَاتَ مِنْ جُرْحَيْنِ فَعَلَى الثَّانِي قِيمَةُ جُرْحِهِ مَقْطُوعَ الْجَنَاحِ الْأَوَّلِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا جُرْحَيْنِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مَقْطُوعَ الْجَنَاحَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ وَفِعْلِ مَالِكِهِ.

(قَالَ): وَلَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا بَعْدَ رَمْيَةِ الْأَوَّلِ يَطِيرُ إنْ كَانَ طَائِرًا أَوْ يَعْدُو إنْ كَانَ دَابَّةً ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَأَثْبَتَهُ كَانَ لِلثَّانِي، وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ بِهَذِهِ الْحَالِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ دُونَهُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا الْجُرْحَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَقَتَلَاهُ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ وَرَمَاهُ الثَّانِي وَلَمْ يَدْرِ أَبَلَغَ بِهِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا أَوْ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ جَعَلْنَاهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.

وَلَوْ رَمَى طَائِرًا فَجَرَحَهُ ثُمَّ سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ فَأَصَبْنَاهُ مَيِّتًا لَمْ نَدْرِ أَمَاتَ فِي الْهَوَاءِ أَمْ بَعْدَ مَا صَارَ إلَى الْأَرْضِ أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوصَلُ إلَى أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا إلَّا بِالْوُقُوعِ وَلَوْ حُرِّمَ هَذَا حُرِّمَ كُلُّ طَائِرٍ رُمِيَ فَوَقَعَ فَمَاتَ وَلَكِنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى عَنْهُ كَانَ مُتَرَدِّيًا لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الرَّمْيَةُ قَدْ قَطَعَتْ رَأْسَهُ أَوْ ذَبَحَتْهُ أَوْ قَطَعَتْهُ بِاثْنَتَيْنِ فَيُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَرَدَّ إلَّا مُذَكًّى وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَهُ الرَّمْيُ إلَّا مَا خَرَقَ بِرِقَّتِهِ أَوْ قَطَعَ بِحَدِّهِ فَأَمَّا مَا جَرَحَ بِثِقَلِهِ فَهُوَ وَقِيذَةٌ.

وَمَا نَالَتْهُ الْجَوَارِحُ فَقَتَلَتْهُ وَلَمْ تُدْمِهِ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ.

أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُؤْكَلَ حَتَّى يُجْرَحَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنَ الْجَوَارِحِ} وَالْآخَرُ أَنَّهُ حِلٌّ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) الْأَوَّلُ أَوْلَاهُمَا بِهِ قِيَاسًا عَلَى رَامِي الصَّيْدِ أَوْ ضَارِبِهِ لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يَجْرَحَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ رَمَى شَخْصًا يَحْسِبُهُ حَجَرًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَلَوْ أَكَلَهُ مَا رَأَيْته مُحَرَّمًا كَمَا لَوْ أَخْطَأَ شَاةً فَذَبَحَهَا لَا يُرِيدُهَا وَكَمَا لَوْ ذَبَحَهَا وَهُوَ يَرَاهَا خَشَبَةً لَيِّنَةً.

وَمَنْ أَحْرَزَ صَيْدًا فَأَفْلَتَ مِنْهُ فَصَادَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَكُلُّ مَا أَصَابَهُ حَلَالٌ فِي غَيْرِ حَرَمٍ مِمَّا يَكُونُ بِمَكَّةَ مِنْ حَمَامِهَا وَغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ إنَّمَا نَمْنَعُ بِحَرَمِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ حَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ وَلَوْ تَحَوَّلَ مِنْ بُرْجٍ إلَى بُرْجٍ فَأَخَذَهُ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَوْ أَصَابَ ظَبْيًا مُقَرَّطًا فَهُوَ لِغَيْرِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ شَقَّ السَّبُعُ بَطْنَ شَاةٍ فَوَصَلَ إلَى مَعَاهَا مَا يُسْتَيْقَنُ أَنَّهَا لَمْ تُذَكَّ مَاتَتْ فَذُكِّيَتْ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} وَالذَّكَاةُ جَائِزَةٌ بِالْقُرْآنِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَعْرِفُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ إذَا بَلَغَ بِهَا مَا لَا بَقَاءَ لِحَيَاتِهَا إلَّا حَيَاةِ الْمُذَكَّى وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ وَهُوَ عِنْدِي أَقْيَسُ؛ لِأَنِّي وَجَدْت الشَّاةَ تَمُوتُ عَنْ ذَكَاةٍ فَتَحِلُّ وَعَنْ عَقْرٍ فَتُحَرَّمُ فَلَمَّا وَجَدْت الَّذِي أَوْجَبَ الذَّبْحُ مَوْتَهَا وَتَحْلِيلَهَا لَا يُبَدِّلُهَا أَكْلُ السَّبُعِ لَهَا وَلَا يُرَدُّ بِهَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ إذَا أَوْجَبَ السَّبُعُ مَوْتَهَا وَتَحْرِيمَهَا لَمْ يُبَدِّلْهَا الذَّبْحُ لَهَا وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ سَبُعًا لَوْ قَطَعَ مَا يُقْطَعُ الْمُذَكِّي مِنْ أَسْفَلِ حَلْقِهَا أَوْ أَعْلَاهُ ثُمَّ ذُبِحَتْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَقْطَعْ السَّبُعُ مِنْ حَلْقِهَا أَنَّهَا مَيْتَةٌ وَلَوْ سَبَقَ الذَّابِحُ ثُمَّ قَطَعَ السَّبُعُ حَيْثُ لَمْ يَقْطَعْ الذَّابِحُ مِنْ حَلْقِهَا أَنَّهَا ذَكِيَّةٌ وَفِي هَذَا عَلَى مَا قُلْت دَلِيلٌ.

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّيْدَ وَلَمْ يَبْلُغْ سِلَاحُهُ أَوْ مُعَلَّمُهُ مَا يَبْلُغُ الذَّابِحُ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَأْكُلُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الذَّابِحُ أَكَلَ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَدَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ لَوْ قَطَعَ حُلْقُومَ رَجُلٍ وَمَرِيئَهُ أَوْ قَطَعَ حَشْوَتَهُ فَأَبَانَهَا مِنْ جَوْفِهِ أَوْ صَيَّرَهُ فِي حَالِ الْمَذْبُوحِ ثُمَّ ضَرَبَ آخَرُ عُنُقَهُ فَالْأَوَّلُ قَاتِلٌ دُونَ الْآخَرِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذِهِ أَدِلَّةٌ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ مِنْ قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَكُلُّ مَا كَانَ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ مِنْ حُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَخَذَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَلَوْ كَانَ شَيْئًا تَطُولُ حَيَاتُهُ فَذَبَحَهُ لِاسْتِعْجَالِ مَوْتِهِ مَا كَرِهْته وَسَوَاءٌ مَنْ أَخَذَهُ مِنْ مَجُوسِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ لَا ذَكَاةَ لَهُ وَسَوَاءٌ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ وَطَفَا مِنْ مَيْتَتِهِ أَوْ أُخِذَ حَيًّا، أَكَلَ أَبُو أَيُّوبَ سَمَكًا طَافِيًا وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» الْمَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ

<<  <   >  >>