يُفَرِّقَهُمْ ثُمَّ يَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَتِهِ عَنْ شَهَادَتِهِ وَالْيَوْمِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ وَالْمَوْضِعِ وَمَنْ فِيهِ لِيَسْتَدِلَّ عَلَى عَوْرَةٍ إنْ كَانَتْ فِي شَهَادَتِهِ، وَإِنْ جَمَعُوا الْحَالَ الْحَسَنَةَ وَالْعَقْلَ لَمْ يَفْعَلْ بِهِمْ ذَلِكَ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ مَسَائِلِهِ جَامِعِينَ لِلْعَفَافِ فِي الطُّعْمَةِ وَالْأَنْفُسِ وَافِرِي الْعُقُولِ بُرَآءَ مِنْ الشَّحْنَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ أَوْ الْحَيْفِ عَلَيْهِمْ أَوْ الْحَيْفِ عَلَى أَحَدٍ بِأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْعَصَبِيَّةِ أَوْ الْمُمَاطَلَةِ لِلنَّاسِ، وَأَنْ يَكُونُوا جَامِعِينَ لِلْأَمَانَةِ فِي أَدْيَانِهِمْ لَا يتغفلون بِأَنْ يَسْأَلُوا الرَّجُلَ عَنْ عَدُوِّهِ فَيُخْفِيَ حَسَنًا وَيَقُولَ قَبِيحًا فَيَكُونَ جَرْحًا وَيَسْأَلُوهُ عَنْ صَدِيقِهِ فَيُخْفِيَ قَبِيحًا وَيَقُولَ حَسَنًا فَيَكُونَ تَعْدِيلًا.
وَيَحْرِصَ عَلَى أَنْ لَا يُعَرَّفَ لَهُ صَاحِبُ مَسْأَلَةٍ فَيَحْتَالَ لَهُ وَأَنْ يَكْتُبَ لِأَصْحَابِ الْمَسَائِلِ صِفَاتِ الشُّهُودِ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَأَسْمَاءَ مَنْ شَهِدَ لَهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ وَمَبْلَغَ مَا شَهِدُوا فِيهِ ثُمَّ لَا يَسْأَلُونَ أَحَدًا حَتَّى يُخْبِرُوهُ بِمَنْ شَهِدُوا لَهُ وَعَلَيْهِ وَبِقَدْرِ مَا شَهِدُوا فِيهِ فَإِنَّ الْمَسْئُولَ قَدْ يَعْرِفُ مَا لَا يَعْرِفُ الْحَاكِمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ شَرِيكًا فِيمَا شَهِدَ فِيهِ وَتَطِيبُ نَفْسُهُ عَلَى تَعْدِيلِهِ فِي الْيَسِيرِ وَيَقِفُ فِي الْكَثِيرِ، وَلَا يَقْبَلُ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ وَلَا تَعْدِيلَهُ وَلَا تَجْرِيحَهُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ وَيُخْفِي عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَسْمَاءَ مَنْ دَفَعَ إلَى الْآخَرِ لِتَتَّفِقَ مَسْأَلَتُهُمَا أَوْ تَخْتَلِفَ فَإِنْ اتَّفَقَتْ بِالتَّعْدِيلِ أَوْ التَّجْرِيحِ قَبِلَهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَعَادَهَا مَعَ غَيْرِهِمَا وَإِنْ عُدِلَ رَجُلٌ بِشَاهِدَيْنِ وَجَرَّحَ بِآخَرَيْنِ كَانَ الْجَرْحُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْجَرْحَ عَلَى الْبَاطِنِ وَلَا يَقْبَلُ الْجَرْحَ إلَّا بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ بِالسَّمَاعِ وَلَا يَقْبَلُهُ مِنْ فَقِيهِ دِينٍ عَاقِلٍ إلَّا بِأَنْ يَقِفَهُ عَلَى مَا يَجْرَحُهُ بِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَتَبَايَنُونَ فِي الْأَهْوَاءِ فَيَشْهَدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَبِالتَّأْوِيلِ وَهُوَ بِالْجَرْحِ عِنْدَهُمْ أَوْلَى وَأَكْثَرُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ بَغْيًا حَتَّى يَعُدَّ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَكُونُ جَرْحًا وَلَا يَقْبَلُ التَّعْدِيلَ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ: عَدَلَ عَلَيَّ وَلِيٌّ ثُمَّ لَا يَقْبَلُ حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ بَاطِنَةً مُتَقَادِمَةً وَإِلَّا لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَسْأَلُ عَمَّنْ جَهِلَ عَدْلَهُ سِرًّا فَإِذَا عَدَلَ سَأَلَ عَنْ تَعْدِيلِهِ عَلَانِيَةً لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمُعَدِّلَ سِرًّا هُوَ هَذَا لَا يُوَافِقُ اسْمٌ اسْمًا وَلَا نَسَبٌ نَسَبًا.
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا حَتَّى يَجْمَعَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَاقِلًا وَيَحْرِصَ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا لَا يُؤْتَى مِنْ جَهَالَةٍ نَزِهًا بَعِيدًا مِنْ الطَّبْعِ. وَالْقَاسِمُ فِي صِفَةِ الْكَاتِبِ عَالِمٌ بِالْحِسَابِ لَا يُخْدَعُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَيَتَوَلَّى الْقَاضِي ضَمَّ الشَّهَادَاتِ وَرَفْعَهَا وَلَا يَغِيبُ ذَلِكَ عَنْهُ وَيَرْفَعُهَا فِي قِمْطَرٍ وَيَضُمُّ الشَّهَادَاتِ وَحِجَجِ الرَّجُلَيْنِ فِي مَكَان وَاحِدٍ مُتَرْجَمَةٍ بِأَسْمَائِهِمَا وَالشَّهْرِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ لِيَكُونَ أَعْرَفَ لَهُ إذَا طَلَبَهَا فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ عَزَلَهَا وَكَتَبَ خُصُومَ سَنَةِ كَذَا حَتَّى تَكُونَ كُلُّ سَنَةٍ مَفْرُوزَةً وَكُلُّ شَهْرٍ مَفْرُوزًا وَلَا يَفْتَحُ الْمَوَاضِعَ الَّتِي فِيهَا تِلْكَ الشَّهَادَاتِ إلَّا بَعْدَ نَظَرِهِ إلَى خَاتَمِهِ أَوْ عَلَامَتِهِ وَأَنْ يَتْرُكَ فِي يَدَيْ الْمَشْهُودِ لَهُ نُسْخَةً بِتِلْكَ الشَّهَادَاتِ وَلَا يَخْتِمَهَا وَلَا يَقْبَلَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِمَّا وَجَدَ فِي دِيوَانِهِ إلَّا مَا حَفِظَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْرَحُ فِي الدِّيوَانِ وَيُشْبِهُ الْخَطُّ الْخَطَّ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ شُهُودٌ أَنَّهُ حَكَمَ بِحُكْمِ فَلَا يُبْطِلُهُ وَلَا يُحِقُّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ وَإِنْ شَهِدُوا عِنْدَ غَيْرِهِ أَجَازَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مِنْهُ مَا يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنْ عَلِمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute