عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ قُلْت: فَأَنْتَ تُجِيزُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ فُلَانًا ابْنَ فُلَانٍ وَأَبُوهُ غَائِبٌ لَمْ يَرَ أَبَاهُ قَطُّ، وَيَحْلِفُ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَشْرِقِيًّا اشْتَرَى عَبْدًا ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ مَغْرِبِيًّا وُلِدَ قَبْلَ جَدِّهِ فَبَاعَهُ فَأَبِقَ أَنَّك تُحَلِّفُهُ لَقَدْ بَاعَهُ بَرِيئًا مِنْ الْإِبَاقِ عَلَى الْبَتِّ قَالَ: مَا يَجِدُ النَّاسُ بُدًّا مِنْ هَذَا غَيْرَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَهَا قُلْت: فَقَدْ قَضَى بِهَا حِينَ وُلِّيَ أَرَأَيْت مَا رَوَيْت عَنْ عَلِيٍّ مِنْ إنْكَارِهِ عَلَى مَعْقِلٍ حَدِيثَ «بِرْوَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لَهَا الْمَهْرَ وَالْمِيرَاثَ» وَرَدَّ حَدِيثَهُ وَمَعَ عَلِيٍّ زَيْدٌ وَابْنُ عُمَرَ فَهَلْ رَدَدْت شَيْئًا بِالْإِنْكَارِ فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِإِنْكَارِ الزُّهْرِيِّ وَقُلْت لَهُ: وَكَيْفَ حَكَمْت بِشَهَادَةِ قَابِلَةٍ فِي الِاسْتِهْلَالِ وَهُوَ مَا يَرَاهُ الرِّجَالُ أَمْ كَيْفَ حَكَمْت عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةٍ وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ بِدِيَةِ الْمَوْجُودِ قَتِيلًا فِي مَحَلَّتِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَزَعَمْت أَنَّ الْقُرْآنَ يُحَرِّمُ أَنْ يَجُوزَ أَقَلَّ مِنْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَزَعَمْت أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ بَرَاءَةٌ لِمَنْ حَلَفَ فَخَالَفْت فِي جُمْلَةِ قَوْلِك الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ.
أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك أَهْلُ الْمَحَلَّةِ: أَتَدَّعِي عَلَيْنَا فَأَحْلِفْ جَمِيعَنَا وَأَبْرِئْنَا؟ قَالَ: لَا أُحَلِّفُهُمْ إذَا جَاوَزُوا خَمْسِينَ رَجُلًا وَلَا أُبَرِّئُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ وَأُغَرِّمُهُمْ قُلْت: فَكَيْفَ جَازَ لَك هَذَا قَالَ: رَوَيْنَا هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقُلْت: فَإِنْ قِيلَ لَك: لَا يَجُوزُ عَلَى عُمَرَ أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَقَالَ عُمَرُ نَفْسُهُ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ أَتَّهِمَ مَنْ أَثِقُ بِهِ وَلَكِنْ أَقُولُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَوْلُ عُمَرَ عَلَى الْخَاصِّ: قُلْت: فَلِمَ لَمْ يَجُزْ لَنَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَجَزْت لِنَفْسِك مِنْ عُمَرَ؟ قُلْت: وَقَدْ رَوَيْتُمْ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فَجَلَبَهُمْ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ مَسِيرَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَأَحْلَفَهُمْ فِي الْحِجْرِ وَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ فَقَالُوا: مَا وَقَتْ أَمْوَالُنَا أَيْمَانَنَا وَلَا أَيْمَانُنَا أَمْوَالَنَا، فَقَالَ: حَقَنْتُمْ بِأَيْمَانِكُمْ دِمَاءَكُمْ فَخَالَفْتُمْ فِي ذَلِكَ عُمَرَ فَلَا أَنْتُمْ أَخَذْتُمْ بِكُلِّ حُكْمِهِ وَلَا تَرَكْتُمُوهُ، وَنَحْنُ نَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ بَدَأَ فِي الْقَسَامَةِ بِالْمُدَّعِينَ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا قَالَ: تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» وَإِذْ قَالَ: تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ غُرْمٌ.
وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بدى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ثُمَّ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِينَ وَهَذَانِ جَمِيعًا يُخَالِفَانِ مَا رَوَيْتُمْ عَنْهُ، وَقَدْ أَجَزْتُمْ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهُمْ غَيْرُ الَّذِينَ شَرَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ وَرَدَدْتُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ قَالَ: فَإِنَّا أَجَزْنَا شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قُلْت: سَمِعْت مَنْ أَرْضَى يَقُولُ: مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} قُلْت: وَالْمُنْزَلُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ فَأَجَزْت شَهَادَةَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ قَالَ لَا إلَّا شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ قُلْت: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا إلَّا شَهَادَةَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فَمَا الْفَرْقُ؟ فَقُلْت لَهُ: أَفَتُجِيزُ الْيَوْمَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا زَعَمْت أَنَّهَا فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قُلْت: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} قُلْت: فَقَدْ زَعَمْت بِلِسَانِك أَنَّك خَالَفْت الْقُرْآنَ إذْ لَمْ يُجِزْ اللَّهُ إلَّا مُسْلِمًا فَأَجَزْت كَافِرًا، وَقَالَ لِي قَائِلٌ: إذَا نَصَّ اللَّهُ حُكْمًا فِي كِتَابِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَكَتَ عَنْهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ قُلْت: فَقَدْ نَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ فِي كِتَابِهِ فَأَحْدَثَ فِيهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَنَصَّ مَا حَرَّمَ مِنْ النِّسَاءِ وَأَحَلَّ مَا وَرَاءَهُنَّ فَقُلْت: لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَنَصَّ الْمَوَارِيثَ فَقُلْت: لَا يَرِثُ قَاتِلٌ وَلَا مَمْلُوكٌ وَلَا كَافِرٌ وَإِنْ كَانُوا وَلَدًا أَوْ وَالِدًا، وَنَصَّ حَجْبَ الْأُمِّ بِالْإِخْوَةِ فَحَجَبْتهَا بِأَخَوَيْنِ وَنَصَّ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ نِصْفَ الْمَهْرِ وَرَفْعَ الْعِدَّةِ فَقُلْت: إنْ خَلَا بِهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَهَذِهِ أَحْكَامٌ مَنْصُوصَةٌ فِي الْقُرْآنِ فَهَذَا عِنْدَك خِلَافُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ شَيْئًا وَالْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ فَيَكُونُ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute