للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَاتَتْ بِمَوْتٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ حَدَثَ بِهَا عِنْدَهُ عَيْبٌ لَا يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّ بِهِ إلَيْهِ فَإِنْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ كَانَ لَهُ قِيمَةُ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَقْبَلَهَا نَاقِصَةً فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ إلَّا إنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي حَبْسَهَا وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ.

وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْبِ وَمِثْلُهُ يَحْدُثُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْبَتِّ لَقَدْ بَاعَهُ بَرِيئًا مِنْ هَذَا الْعَيْبِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ وَأَوْصَلْته إلَيْك وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبِيعُهُ إيَّاهُ وَهُوَ بَرِيءٌ ثُمَّ يُصِيبُهُ قَبْلَ أَنْ يُوصِلَهُ إلَيْهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): يَنْبَغِي فِي أَصْلِ قَوْلِهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ لَقَدْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ قَبْلَ دَفْعِهِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَيَجْعَلُ لِلْمُشْتَرِي رَدَّهُ بِمَا حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَوْ لَمْ يُحَلِّفْهُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ بَرِيئًا مِنْ هَذَا الْعَيْبِ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَقَدْ حَدَثَ الْعَيْبُ عِنْدَهُ قَبْلَ الدَّفْعِ فَنَكُونُ قَدْ ظَلَمْنَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ بِمَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهَذَا يُبَيِّنُ لَك مَا وَصَفْنَا أَنَّهُ لَازِمٌ فِي أَصْلِهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ مَذْهَبِهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ كُلُّ مَا اشْتَرَيْت مِمَّا يَكُونُ مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَكَسَرْته فَأَصَبْته فَاسِدًا فَلَكَ رَدُّهُ وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ فَاسِدًا صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ فَاسِدًا مَكْسُورًا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ وَلِلْمُشْتَرِي مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَفَاسِدًا إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فَاسِدًا قِيمَةٌ فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): هَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ الرَّانِجُ مَكْسُورًا كَمَا لَا يُرَدُّ الثَّوْبُ مَقْطُوعًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ، وَقَدْ جَنَى فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ كَمَا يَكُونُ الْعِتْقُ جَائِزًا وَعَلَى السَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْجِنَايَةَ فِي عُنُقِهِ كَالرَّهْنِ فَيُرَدُّ الْبَيْعُ وَيُبَاعُ فَيُعْطِي رَبَّ الْجِنَايَةِ جِنَايَتَهُ، وَبِهَذَا أَقُولُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ بِدَفْعِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَةِ الْعَبْدِ إنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَكْثَرَ كَمَا يَكُونُ هَذَا فِي الرَّهْنِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): قُلْت أَنَا أَقُولُهُ كَمَا يَكُونُ الْعِتْقُ جَائِزًا تَجْوِيزًا مِنْهُ لِلْعِتْقِ، وَقَدْ سَوَّى فِي الرَّهْنِ بَيْنَ إبْطَالِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فَإِذَا جَازَ الْعِتْقُ فِي الْجِنَايَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ مِثْلُهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَيَكُونَ مَبِيعًا مَعَهُ فَمَا جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ مَالِهِ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ مَالِ عَبْدِهِ وَمَا حَرُمَ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ مِنْ هَذَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِمَالِكِ الْعَبْدِ فَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ اشْتَرَطَ مَالَهُ مَجْهُولًا، وَقَدْ يَكُونُ دَيْنًا وَاشْتَرَاهُ بِدَيْنٍ كَانَ هَذَا بَيْعَ الْغَرَرِ وَشِرَاءَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ " عَلَى مَعْنَى مَا حَلَّ كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْبَيْعَ مُطْلَقًا عَلَى مَعْنَى مَا يَحِلُّ لَا عَلَى مَا يَحْرُمُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): قُلْت أَنَا: وَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَالَهُ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ كَمَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَمَةِ تَبَعًا لَهَا وَحُقُوقُ الدَّارِ تَبَعًا لَهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ دُونَ أُمِّهِ وَلَا حُقُوقُ الدَّارِ دُونَهَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى مَا قَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَصَحُّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَحَرَامٌ التَّدْلِيسُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِهِ الْبَيْعُ.

(قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ): سَمِعْت الْمُزَنِيَّ يَقُولُ هَذَا غَلَطٌ عِنْدِي فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُحَرَّمًا بِالتَّدْلِيسِ كَانَ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ الْمُحَرَّمِ مُنْتَقَضًا، وَإِذَا قَالَ: لَا يُنْقَضُ بِهِ الْبَيْعُ فَقَدْ ثَبَتَ تَحْلِيلُ الثَّمَنِ غَيْرَ أَنَّهُ بِالتَّدْلِيسِ مَأْثُومٌ فَتَفَهَّمْ فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُحَرَّمًا وَبِهِ وَقَعَتْ الْعُقْدَةُ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَرَأَيْت لَوْ

<<  <   >  >>