وليس يخفى على القارئ اللبيب نزوعُ صاحبنا إلى التصوف، وتبجيلُه الجلي للقوم، فهو يحكي عن أبي محمد المرجاني، وأبي الحسن المنتصر، بلفظ سيدي. ويصِفُ المتصوفَ أبا محمد عبد العزيز المهدوي بالشيخ الصالح العالم، وهي أوصاف لم يُحَلِّ بها غيرَ شيخِه وعمِّه. بل إنه لَيَعتقد فيهم اعتقادا لا يخامره ريب، وينقل حكاياتهم من غير توقف؛ فقد قال عند قوله تعالى:{فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقيَةٍ}:
"فإنْ قلت: قد قيل إن هذه الهيئة العادية، التي عند قرطاجنة، من بناءاتهم؛ وقد أَخْبَرَ سيدي محرز في "كتاب كراماته" أنه التقى عند المعلقة بالخضر عليه السلام فأخبره بذلك، وبأشياءَ من أمورها غير واحدة". قلت: ليس على الله بمستكثر أن يخص من يشاء أنى شاء بما يشاء من مواهب الفيوضات، وفتوحات الغيب، ولكن حكايات الصالحين وكرامات الأولياء رضوان الله عليهم، لا تصلح دليلا على كلام الله، ولا حجة يستنصر بها المتأول لمعاني الذِّكر.
ْوهو بعدُ ينقل عن أصولٍ للتصوف، كرسالة القشيري وحلية أبي نعيم، وإحياء الغزالي؛ بل إنه لينقل نصا طويلا عن أبي مدين شعيب الأندلسي -أحد القائلين بوحدة الوجود-، وينشد أبياتا تنسب للشوذي المتصوف الغالي، صاحب النحلة.