بين هذا وبين حديث "لاَ تَتَمَنَّوا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا الله العَافِيةَ"، بأنّ ذلك كان أولَ الإسلام وقلّةِ المسلمين، فنُهُوا عن تمنِّي لقاءِ العدو، ولأدائِه إلى هلاكهم. أو المعنى في الآية: كنتم تمنون الشهادة؛ أو نزلتْ هذه قبل النهي".
وحين يحتمل حديث مشهور معنى غير مقبول، بطريق التأويل الفاسد، يتوسل إلى دفع التعارض بتأويل الحديث أو بيان معناه الوجيه، فعندما قرر البسيلي أنه لا يثبت حكم بالمرائي النومية، عرج على قوله: "من رآني فقد رآني حقا، فإن الشيطان لا يتمثل بي"، فبين وجه الحق فيه، لكيلا ينخرم ما قرره بإيراد من معترض فهم الحديث على غير الوجه السليم. وحين استدل بعضهم على جواز خط الرمل، بحديث "أن نبيئا من الأنبياء كان يخط، فمن صادف خطه فذاك"، ذكر البسيلي أن الحديث مخرج عند مسلم في كتاب الطاعون، ثم ألمع إلى أن عياضا حكى فيه قولين: في كتاب الصلاة، في حديث "الخط باطل"، وفي باب نسخ الكلام في الصلاة، عن معاوية بن الحكم، وأن ابن العربي أنكره في "أحكام القرآن"، واتفق مع ابن رشد في "الأجوبة" على أن الحديث على معنى الاستبعاد والفرض، وليس المراد أن أحدا يصادف خط ذلك النبي، فهو من فرض المحال.
وإيراده للحديث محكوم باعتبارات، فهو يورده تارة لتحديد مصطلح فقهي، كما فعل عند سوق الخلاف في ترادف القبول والإجزاء، حيث استدل في السياق بحديث "لا يقبل الله صلاة بغير طهور". أو لتفسير لفظة قرآنية كما هو الحال عند قوله تعالى:(ولقد همَّت به)، حيث ساق قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ هَمَّ بحسنةٍ فلمْ يعملْها كُتِبَتْ له حسنةٌ، ومن هَمَّ بسيِّئةٍ فلمْ يعملْها ... "الحديث".
وهو يستدل بالحديث لإثبات قضايا مختلفة، فقد استدل على جواز أن يقال "زيد رب الدار" وشبهه، بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رب الدابة أولى بمقدمها"، وبقوله أيضا:"أن تلد الأمة ربتها". واستدل على أن من السلام أنواعا أحدها سلام الرحمة، وهو