الغرب قد مُحِيَ رسمه، وضاع حظُّه وقَسْمُه، ولكنْ قضى الله بأنّ الأرض لا تخلو من قائم له بحجة يرى سبيل الحق ويوضّح المحجة، وما مِن فنّ من فنون العلم إلا وجدت بتونس به قائما، وبها من أهل الرواية والدراية عدد وافر، يجلُو الفخارُ بهم عن محيّاً سافر، وينير علمهم، وقد ألقت ذُكاء يمينها في يد كافر". وهُو لا يجيء في حكمه شيئا إدًّا، إذا عُلم أن عِدةَ رجالِ العلم والأدب التونسيين المذكورين طَيَّ رحلتِه يُربي على غيرهم ممن لقيه في حجازيته كلِّها، فيذكر منهم ستة عشر عَلَماً ما منهم إلا شهيرُ الذكر، خطير القدر. ولو لم تكن تونس على ما ذكر العبدري، لما أطال بها ابن رشيد السبتي الورود والصدور، حيث ضمّن "ملء العيبة" أسماء الكثير من علمائها.
ويعرِّج أبو البقاء البلوي على تونس في رحلته، فيُقيم بها من (يوم السبت فاتح شعبان عام ٧٣٦ هـ، إلىٍ يوم السبت ١٧ ربيع الثاني عام ٧٣٧ هـ)، فَلا يقَصِّر وصفُه عن وصف قرينَيْه، ويراها جنة حُفتْ من طرقها بالمكاره، وعقيلةً عقَلت قلب الطائع والكاره، فهي الدمية الغراء، والقبة اللعْساء، والخريدة العيناء، تزهى بها المحافل، ويحتقبها الطالع والآفل ... ؛ وينشد في مدحها:
لَتُونُسُ تُونِسُ مَن جاءها ... وتُودِعُهُ لوعةً حيث سَارْ
فيغْدُو ولوْ حَلَّ أرضَ العراق ... يحِنّ إليها حنين الحُوَارْ