وعدّها نزغة اعتزالية لم يتفطن لها ولم يقصدها؛ وبيَّن أن مذهبنا أنه تعالى يحب الخير ويحب الشر".
ثم جعل البسيلي نقْل ابنِ عطية عن النَّقَّاش: "المعنى: فيغفر لمن يشاء، أي: لِمَن يَنْزَعُ عنه، ويعذب من يشاء، أي أقام عليه"؛ اعتزالا، وهو أن المعاصي إنما تُغفر بالتوبة".
وعند قوله جل وعز:(وَامُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ اِلْمُنكَر)، يقول ابن عطية:"يريد بعد امتثَالِه في نفسِه"، فيعتبره البسيلي اعتزالا. ولما بلغ ابن عطية تفسير قوله تعالى:(بِالحَقِّ)، عقب عليه البسيلي بقوله:"فسره ابن عطية بوجهين، ثانيهما اعتزال لم يشعر به!؛ وقد تقدم له نظيره في أول هذه السورة"، ومثل ذلك عند قوله تعالى:(فَكَرِهْتُمُوهُ)، يقول البسيلي:"نقلُ ابن عطية عن الرُّمَّاني أن كراهة هذا اللحم يدعوا إليها الطبع، وكراهة الغيبة يدعوا إليها العقل، اعتزالٌ غفل عنه؛ لأنه مبني على قاعدة التحسين والتقبيح، وأن العقل يحسن ويقبح".
ومع حرصه على دحض شبهات الاعتزال، والوقوف مع "الكشاف" -خاصة- في دسائسه الاعتزالية الخفية، إلا أنه لم يكن ليتَوَانَ عن رفع هذه الشبهة حين يحتملُ الكلام وجوها، فلا يكون خالصا في إثباتها، فعند قوله تعالى:(وَأَنَهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى)، نقل قول الزمخشري في تفسيره:"أي: خَلَقَ القوةَ على الضحك والبكاء". ثم قال:"فإنْ أُورِدَ أنَ هذا اعتزال مبْنيٌّ على مذهبه في أن العبد يخلق أفعاله، وهو يوافقُنا في الدَّاعي أنّه خَلْقٌ لله تعالى "؟. فالجواب أن عادةَ الشيوخ أنهم لا يحملون على الاعتزال إلا ما هو صريحٌ فيه، وأمّا المحتَمَل الذي يوجِّهُهُ السُّنِّي على مذهبِه والمعتزلي على مذهبه فَلاَ، وهذا منه؛ بل ما فسَّره به الزمخشري أوْلى، لأن الآية حينئذٍ