- الثاني: أنه تعالى قال: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ)، فهو حثٌّ على التأمل في أنه كيف بناها، ولا معنى لعلم الهيئة إلا التأمل في أنه كيف بناها وكيف خلق كل واحد منها.
- الثالث: أنه تعالى قال: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) فبين أن عجائب الخلقة وبدائع الفطرة في أجرام السماوات أكثر وأعظم وأكمل مما في أبدان الناس، ثم إنه تعالى رغب في التأمل في أبدان الناس بقوله:(وفى أنفسكم أفلا تبصرون)، فما كان أعلى شأنا منها أولى بأن يجب التأمل في أحوالها.
- الرابع: أنه تعالى مدح المتفكرين في خلق السماوات والأرض ... ولو كان ذلك ممنوعا لما فعل.
- الخامس: ... أن كل من كان وقوفه على دقائق كتابٍ ولطائفه أكثر، كان اعتقاده في عظمة ذلك المصنف وجلالته أكمل".
وإذا علمنا أن تفسير الرازي كان من مآخذ البسيلي الأولى، فهمنا أنه يشاطر الفخر أن إيراد الفوائد العلمية واللطائف الحكمية، ليس على سبيل التكثر، وإنما هي ضرورة دعته إليها طبيعة تفسير كتاب الله. وقد أورد في تفسيره جملا من مبادئ العلوم الكونية، استعان بها على إصابة المعنى المراد، فاستفاد من الهندسة والرياضيات وعلم الفلك والتوقيت.
فمن استغلاله لمبادئ علم الهندسة، استدلاله عند قوله الله تعالى:(عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ)، على أن ما حل بهم من العذاب لا ينتهي؛ لأنه عبر بالدائرة، وهي كما تقرر في الهندسة لا طرف لها ولا آخر.