وقد يفزع للاستدلال على معنى من المعاني بمقولات رياضية، مثلما فعل عند قوله تعالى:(وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ)؛ حيث قرر أن الذي أَصَاب قومَ نوح الغَرَقُ، والذِي أَصَابَ قوْمَ هودٍ الصَّيْحَةُ، والذي أَصابَ قومَ صالح الهلاَكُ. ثم ساق قول أقليدس:"الأشياءُ المساوية لشيءٍ واحدٍ مُتساوية"، واستشكلً ذلك بأن هذه متَبَاينةٌ، فكيْفَ يُصيبُهم مثْلُها؟. ثم أجاب أَنَّ المُماثَلَةَ في القدْرِ المشتَرَكِ بيْنهما، وهو مُطْلَقُ الإِهلاكِ.
ومما يدل على إلمامه بالرياضيات، إحالته على كتاب في الفن شهير، وهو "رفع الحجاب عن أعمال الحساب" لأبي العباس ابن البناء العددي المراكشي؛ والذي وصفه ابن خلدون بأنه مستغلق على المبتدئ بما فيه من البراهين الوثيقة المباني، وهو كتاب جليل؛ فقد قال البسيلي عند قوله جل وعز:(وما جعلنا عدتهم إلا فتنة): "وفرق ابن البناء في "رفع الحجاب" بين العدد والعدة بأوجه؛ فانظره".
وهو يستفيد من علم الفلك أيضا، مثاله قوله بمناسبة تفسير قوله تعالى:(تُولِجُ الليلَ في اِلنَّهارِ): "إن قلت: في الآية رد على قول من قال إن وسط الأرض يستوي ليله ونهاره دائما، وأن بعض المواضع يدوم نهاره، وبعضها يدوم ليلها، فالجواب من وجهين:
- الأول: أن الآية مطلقة لا عامة. ويرد عليه أن الإطلاق في الإيلاج لا في لفظ الليل والنهار لتعريفهما بـ "أل" فيعم.
- الثاني: أن المقصود من الآية ذكر حال المعمور من الأرض دون غيره، ويرد عليه أن وسط الأرض وهو موضع خط الاستواء معمور أيضا، وأما ما بعده من جهة الجنوب، فقال بطليموس: "المعمور منه قدر ست عشرة درجة من الفلك".