ثم إنه كثيرا ما يحيل القارئ على كلام العلماء في بعض كتبهم، فيحار أيَّ كلامهم المقصود؛ وقد وقعتُ في حيص بيص، حين أردت أحيانا أن أحدد بعض هاته النقول؛ خاصة عندما تطول فلا يكفي الاستدلال عليها بالآية موضوعِ النكتة، وتحتاج إلى إعمال النظر غير يسير حتى تستدل عليها بسياق الكلام. ويعضل الأمر حين يحيل على كتب غير مسماة أو نادرة، ويعتاص حين يصطاد الحوت في غير بحره، فيفيد نكتة تفسيرية من غير كتب التفسير.
فمن أمثلة ما طال فيه الكلام المحال عليه، فأغلق على القارئ تبين أيِّه المقصود، قوله عند قوله تعالى:(وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ): "انظرْ كلامَ الفخر، فإنه لا يتِمُّ؛ للفرق بين العزة القديمة التي هي صفةُ ذاتِه تعالى، والعزةِ الحادثة التي هي فعلُه. وقد قال الفقهاء في الحالف بعزة الله إن أرادَ الحادثةَ فلا كفارةَ". ولك أنْ تعود إلى كلام الفخر على الآية، لتتحقّق ما قلتُه.
وقد يحيل على تفاسير ابن عطية والزمخشري والفخر وأبي حيان، فيكون الوقوف على مراده أيسر، لأن هذه المظان أعرف، بيد أن ذلك يشتد على المتفحصِ حين يحيل على كتب نادرة لا يسمِّيها، مثلما فعل عند قوله تعالى:(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنسِيَ خَلْقَهُ)، عند قوله -من كلام طويل-: "واستدل المالكية على أن العظام من أجزاء كل حيوان تابع للحمه؛ فمتى حكمنا للحم بالطهارة حكمنا بذلك للعظم، لأنه مما تحله الحياة، لقوله تعالى:(قُلْ يُحْيِيهَا الذِي أنشَأَهَا أَولَ مَرة).
والظاهر إضافة الحياة إلى نفس العظام، لكن في الآية (قُلْ يُحْييهَا الذِي أَنشَأَهَا)، فأضاف الإحياء إلى الدار الآخرة، والإنشاء إلى الدنيا،