زَمَانًا وَمَكَانًا (زَمَانَيْهَا لِحَجٍّ) أَيْ لِلْإِحْرَامِ بِهِ (مِنْ) أَوَّلِ (شَوَّالٍ إلَى فَجْرِ) عِيدِ (نَحْرٍ فَلَوْ أَحْرَمَ) بِهِ أَوْ مُطْلَقًا (حَلَالٌ فِي غَيْرِهِ انْعَقَدَ) أَيْ إحْرَامُهُ بِذَلِكَ (عُمْرَةً) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَقْتُ مَا أَحْرَمَ بِهِ انْصَرَفَ إلَى مَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْعُمْرَةُ وَيَسْقُطُ بِعَمَلِهَا عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ، وَسَوَاءٌ الْعَالِمُ بِالْحَالِ وَالْجَاهِلُ بِهِ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي حَلَالٌ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِذَلِكَ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّ إحْرَامَهُ يَلْغُو إذْ لَا يَنْعَقِدُ حَجًّا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَلَا عُمْرَةً؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى الْعُمْرَةِ (وَ) زَمَانَيْهَا (لَهَا) أَيْ لِلْعُمْرَةِ أَيْ لِلْإِحْرَامِ بِهَا (الْأَبَدُ) لِوُرُودِهِ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
ــ
[حاشية الجمل]
وَقْتًا انْتَهَى.
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ إطْلَاقَ الْمِيقَاتِ عَلَى الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لُغَوِيٌّ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: زَمَانًا وَمَكَانًا) مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ لَكِنْ كَوْنُ الْأَوَّلِ تَمْيِيزًا لِلْمَوَاقِيتِ حَقِيقَةٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَمَجَازٌ أَوْ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَيْ لِلْإِحْرَامِ بِهِ) الْأَوْلَى بَقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَبَّرَ، فَقَالَ وَقْتُ إحْرَامِ الْحَجِّ شَوَّالٌ إلَخْ فَاعْتَرَضَهُ حَجّ، فَقَالَ فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ غَيْرُ الْإِحْرَامِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ مِثْلَهُ فِي التَّوْقِيتِ بِذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْعِ تَقَدُّمِهِ فَلِمَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، قُلْت لِأَنَّهُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَمَا عَلِمْت بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ مَنْعِ تَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ مَنْعُ تَقْدِيمِ غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ انْدِفَاعُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْإِحْرَامِ مُوهِمٌ اهـ. لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالْحَلْقَ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا فَحِينَئِذٍ تَأْوِيلُ الشَّارِحِ مُتَعَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُوَقَّتُ بِالْوَقْتِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ الْإِحْرَامُ، وَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّأْخِيرِ عَنْ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّقْدِيمِ عَلَيْهِ فَالْإِحْرَامُ وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ كَمَا هُوَ مُلْحَظُ حَجّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ) أَيْ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ وَلَا يَنْقَلِبُ لَوْ سَافَرَ إلَى بَلَدٍ مَطْلَعُهُ مُخَالِفٌ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْوَجِيهِ وَسُمِّيَ شَوَّالًا؛ لِأَنَّ قَبَائِلَ الْعَرَبِ فِيهِ كَانَتْ تَشُولُ فِيهِ أَيْ تَبْرَحُ عَنْ مَوَاضِعِهَا؛ وَقِيلَ لِأَنَّ السِّبَاعَ كَانَتْ تَشُولُ فِيهِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِهِ) أَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِهِ فِيهِ فَيَنْعَقِدُ حَجًّا وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إيقَاعِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ فِي الْوَقْتِ كَمَنْ أَحْرَمَ بِهِ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِصْرَ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ حَجًّا، وَبِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَفُوتُهُ وَحِينَئِذٍ فَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَهَذَا عَلَى مُعْتَمَدِ م ر الْآتِي فِي بَابِ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ مَا لَهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اهـ. شَيْخُنَا ح ف وحج هُنَا جَرَى عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ م ر فِيمَا سَيَأْتِي، فَقَالَ وَيَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِذَا فَاتَهُ تَحَلَّلَ بِمَا يَأْتِي اهـ. أَيْ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَانَ الْقِيَاسُ الْبُطْلَانَ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا.
(قَوْلُهُ: شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ) بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ إذَا أَفْسَدَهَا الشَّخْصُ خَرَجَ مِنْهَا فَلَمْ تَكُنْ شَدِيدَةَ التَّعَلُّقِ فَلِذَلِكَ لَوْ نَوَاهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلًا اهـ. شَيْخُنَا وَبِدَلِيلِ انْعِقَادِهِ مَعَ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ أَيْ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ انْعِقَادِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِحْرَامِ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعُمْرَةُ) تَفْسِيرٌ لِمَا، فَالصِّلَةُ جَارِيَةٌ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَابِلَ هُوَ الْوَقْتُ وَالْمَقْبُولَ هُوَ الْعُمْرَةُ فَكَانَ عَلَيْهِ الْإِبْرَازُ، وَالْمَعْنَى انْصَرَفَ إلَى نُسُكٍ يَقْبَلُهُ الْوَقْتُ وَذَلِكَ النُّسُكُ هُوَ الْعُمْرَةُ.
(قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ الْعَالِمُ بِالْحَالِ وَالْجَاهِلُ بِهِ) وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ عَلَى الْعَالِمِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ بِوَجْهٍ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ الْحُرْمَةَ وَالْكَرَاهَةَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الرَّاجِحُ. اهـ. حَجّ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ قَدْ يُقَالُ تَعَمُّدُ قَصْدِ عِبَادَةٍ لَا تَحْصُلُ لَا يَتَّجِهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ تَلَاعُبًا بِالْعِبَادَةِ كَانَ شَبِيهًا بِهِ اهـ. سم عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِهِ) أَمَّا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فِيهِ أَيْ فِي وَقْتِ الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِحْرَامُ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ انْعَقَدَ الْحَجُّ فَيَكُونُ هَذَا فِي صُورَةِ الْقُرْآنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْأَرْكَانِ.
(قَوْلُهُ: وَلَهَا الْأَبَدُ) قِيلَ إنَّهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالسَّنَةِ يُوهِمُ امْتِنَاعَ إيقَاعِ أَعْمَالِهَا أَوْ بَعْضِهَا فِي سَنَةٍ غَيْرِ سَنَةِ إحْرَامِهَا، قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ، وَمَا أَفْهَمَهُ الْأَصْلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ مَشَايِخِنَا إذْ يَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ إيقَاعُ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهَا فِي سَنَةِ تِسْعٍ مَثَلًا، وَإِنْ صَحَّ وَأَجْزَأَ مِنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ قَالَ: وَيَكُونُ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةِ إحْرَامِهَا كَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ فَتَحَلَّلَ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهَا اهـ. مَا قَرَّرَهُ فِي أَنَّ هَذَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْأَصْلِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ السَّنَةَ بِالْإِحْرَامِ لَا بِإِيقَاعِ الْأَعْمَالِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ وَزَمَانُهَا الْأَبَدُ قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي عَامٍ ثُمَّ أَخَّرَ أَعْمَالَهَا إلَى عَامٍ آخَرَ جَازَ وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّارِحِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إذَا أَحْرَمَ فِي عَامٍ أَنْ يُؤَخِّرَ أَعْمَالَهَا لِلْعَامِ الَّذِي بَعْدَهُ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ لِوُرُودِهِ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَأَنَّهُ اعْتَمَرَ عُمْرَةً