للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(دُخُولُهُ مَكَّةَ قَبْلَ وُقُوفٍ) بِعَرَفَةَ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِأَصْحَابِهِ

ــ

[حاشية الجمل]

وَبَكَّةُ لِلْبَيْتِ وَالْمَطَافِ وَقِيلَ كَالْأَخِيرِ بِإِسْقَاطِ الْمَطَافِ سُمِّيَتْ مَكَّةَ مِنْ الْمَكِّ وَهُوَ الْمَصُّ، يُقَالُ امْتَكَّ الْفَصِيلُ ضَرْعَ أُمِّهِ إذَا امْتَصَّهُ لِقِلَّةِ مَائِهَا وَبَكَّةُ مِنْ الْبَكِّ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ وَالتَّدَافُعُ لِإِخْرَاجِهَا الْجَبَابِرَةَ مِنْهَا وَلِتَدَافُعِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي الْمَطَافِ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَلَهَا أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ نَحْوُ الثَّلَاثِينَ اسْمًا، وَكَثْرَةُ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ الْمُسَمَّى غَالِبًا، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ لَا أَعْلَمُ بَلَدًا أَكْثَرَ اسْمًا مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِكَوْنِهِمَا أَفْضَلَ الْأَرْضِ، وَمَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَعَلَ ابْنُ حَزْمٍ ذَلِكَ التَّفْضِيلَ ثَابِتًا لِلْحَرَمِ وَعَرَفَاتٍ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْحِلِّ وَأَفْضَلُ بِقَاعِهَا الْكَعْبَةُ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ثُمَّ بَيْتُ خَدِيجَةَ الْمَشْهُورُ الْآنَ بِزُقَاقِ الْحَجَرِ الْمُسْتَفِيضِ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ أَنَّ ذَلِكَ الْحَجَرَ الْبَارِزَ فِيهِ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ بِمَكَّةَ» نَعَمْ التُّرْبَةُ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ حَتَّى مِنْ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَمِنْ خَوَاصِّ اسْمِ مَكَّةَ أَنَّهُ إذَا كُتِبَ عَلَى جَبِينِ الْمَرْعُوفِ بِدَمِ رُعَافِهِ مَكَّةُ وَسَطُ الْبِلَادِ وَاَللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ انْقَطَعَ دَمُهُ وَأَوَّلُ مَنْ بَنَى الْبَيْتَ الْمَلَائِكَةُ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَلْفَيْ عَامٍ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ وَطَافُوا بِهِ ثُمَّ آدَم ثُمَّ وَلَدُهُ شِيثُ ثُمَّ إبْرَاهِيمُ وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ ثُمَّ الْعَمَالِقَةُ ثُمَّ جُرْهُمٌ ثُمَّ قُصَيٌّ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ ثُمَّ قُرَيْشٌ ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ ثُمَّ الْحَجَّاجُ لِجِهَةِ الْحَجَرِ فَقَطْ بَعْدَ أَنْ هَدَمَهَا بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَخْرَجَ مِنْ بِنَاءِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ وَشِبْرًا فِي الْحَجَرِ وَأَبْقَاهُ عَلَى الِارْتِفَاعِ الَّذِي صَنَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَكَانَتْ فِي بِنَاءِ قُرَيْشٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا ثُمَّ انْهَدَمَتْ جِهَةُ الْحَجَرِ فِي السَّيْلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَأَلْفٍ فِي زَمَنِ السُّلْطَانِ مُرَادٍ فَأَمَرَ بِبِنَائِهَا فَبُنِيَتْ، وَمَنْ أَرَادَ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ وَأَصْلَهُ وَمَا وَرَدَ فِيهِ فَلْيُرَاجِعْهُ مِنْ مَحَلِّهِ وَمِنْهُ مَا أَلَّفَهُ شَيْخُنَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَرَمَيْنِ وَتُنْدَبُ الْمُجَاوَزَةُ بِمَكَّةَ إلَّا لِخَوْفِ انْحِطَاطِ رُتْبَةٍ أَوْ مَحْذُورٍ مِنْ نَحْوِ مَعْصِيَةٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ، فَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْبَيْتَ بُنِيَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

بَنَى بَيْتَ رَبِّ الْعَرْشِ عَشْرٌ فَخُذْهُمْ ... مَلَائِكَةُ اللَّهِ الْكِرَامُ وَآدَمُ

وَشِيثُ وَإِبْرَاهِيمُ ثُمَّ عَمَالِقُ قُصَيٌّ ... قُرَيْشٌ قَبْلَ هَذَيْنِ جُرْهُمُ

وَعَبْدُ الْإِلَهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بَنَى كَذَا ... بِنَاءُ الْحَجَّاجِ وَهَذَا مُتَمِّمُ

اهـ. شَيْخُنَا مَدَابِغِيٌّ فِي قِرَاءَتِهِ لِلْبُخَارِيِّ فِي الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ: قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ: لَمَّا بَنَى إبْرَاهِيمُ الْكَعْبَةَ جَعَلَ طُولَهَا فِي الْأَرْضِ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضَهَا فِي الْأَرْضِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَأَمَّا الظَّاهِرُ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَجَعْلُ طُولِهَا فِي السَّمَاءِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ وَأَمَّا عَرْضُهَا فَبَيْنَ رُكْنِ الْحَجَرِ وَالرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ الْمُقَابِلِ لِلْمِنْبَرِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا بَيْنَ الْعِرَاقِيِّ وَالشَّامِيِّ وَهُوَ الَّذِي جِهَةُ بَابِ الْعُمْرَةِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَبَيْنَ الشَّامِيِّ وَالْيَمَانِيِّ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَبَيْنَ الْيَمَانِيَّيْنِ عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَكَانَتْ غَيْرَ مُسَقَّفَةٍ فَبَنَتْهَا قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَزَادَتْ فِي طُولِهَا فِي السَّمَاءِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ فَصَارَ طُولُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَنَقَصُوا مِنْ طُولِهَا فِي الْأَرْضِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ وَشِبْرًا تَرَكُوهَا فِي الْحَجَرِ فَلَمْ تَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَانَ زَمَانُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَهَدَمَهَا وَبَنَاهَا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَزَادَ فِي طُولِهَا فِي السَّمَاءِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ أُخْرَى، فَصَارَ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ بَنَاهَا الْحَجَّاجُ فَلَمْ يُغَيِّرْ طُولَهَا فِي السَّمَاءِ.

قَالَ الْعُلَمَاءُ وَكَانَتْ الْكَعْبَةُ بَعْدَ إبْرَاهِيمَ مَعَ الْعَمَالِقَةِ وَجُرْهُمٍ إلَى أَنْ انْقَرَضُوا وَخَلَفَهُمْ فِيهَا قُرَيْشٌ بَعْدَ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَى الْحَرَمِ لِكَثْرَتِهِمْ بَعْدَ الْقِلَّةِ وَعِزِّهِمْ بَعْد الذِّلَّةِ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ جَدَّدَ بِنَاءَهَا بَعْدَ إبْرَاهِيمَ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ وَسَقَّفَهَا بِخَشَبِ الدَّوْمِ وَجَرِيدِ النَّخْلِ وَكَانَ بَابُهَا لَاصِقًا بِالْأَرْضِ ثُمَّ بَنَتْهَا قُرَيْشٌ بَعْدَهُ وَرَسُولُ اللَّهِ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْمُغِيرَةِ يَا قَوْمِ ارْفَعُوا بَابَ الْكَعْبَةِ حَتَّى لَا تُدْخَلَ إلَّا بِسُلَّمٍ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا حِينَئِذٍ إلَّا مَنْ أَرَدْتُمْ فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ مِمَّا تَكْرَهُونَهُ رَمَيْتُمْ بِهِ فَسَقَطَ وَصَارَ نَكَالًا لِمَنْ رَآهُ فَفَعَلَتْ قُرَيْشٌ مَا قَالَ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: دُخُولُهُ مَكَّةَ إلَخْ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دُخُولِهَا مَا رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ اللَّهُمَّ الْبَلَدُ بَلَدُك وَالْبَيْتُ بَيْتُك جِئْت أَطْلُبُ رَحْمَتَك وَأَؤُمُّ طَاعَتَك مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا بِقَدَرِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>