للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ السُّنَنِ الْآتِيَةِ (وَ) الْأَفْضَلُ دُخُولُهَا (مِنْ ثَنْيَةِ كَدَاءٍ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ «كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ السُّفْلَى وَالْعُلْيَا» تُسَمَّى ثَنْيَةَ كَدَاءٍ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ وَالسُّفْلَى ثَنْيَةَ كُدًى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ وَهِيَ عِنْدَ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ وَالثَّنْيَةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَاخْتَصَّتْ الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ وَالسُّفْلَى بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ يَقْصِدُ مَكَانًا عَالِيَ الْمِقْدَارِ وَالْخَارِجَ عَكْسَهُ

ــ

[حاشية الجمل]

مِنْ الذَّهَبِ مِنْ عَمَلِ الْوَلِيدِ فَرَقَّ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّشِيدِ فِي خِلَافَتِهِ فَأَرْسَلَ إلَى سَالِمِ بْنِ الْجَرَّاحِ عَامِلِهِ عَلَى ضَوَاحِي مَكَّةَ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفِ دِينَارٍ لِيَضْرِبَ بِهَا صَفَائِحَ الذَّهَبِ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ فَقَلَعَ مَا كَانَ عَلَى الْبَابِ مِنْ الصَّفَائِحِ وَزَادَ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ فَضَرَبَ عَلَيْهَا الصَّفَائِحَ الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَالْمَسَامِيرَ وَحَلْقَتَيْ الْبَابِ وَالْعَتَبَةَ فَاَلَّذِي عَلَى الْبَابِ مِنْ الذَّهَبِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ مِثْقَالٍ وَعَمِلَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الرُّخَامَ الْأَحْمَرَ وَالْأَخْضَرَ وَالْأَبْيَضَ فِي بَطْنِهَا مُوزَرٌ بِهِ جُدْرَانَهَا وَفَرَشَهَا بِالرُّخَامِ فَجَمِيعُ مَا فِي الْكَعْبَةِ مِنْ الرُّخَامِ هُوَ مِنْ عَمَلِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَرَشَهَا بِالرُّخَامِ وَأَزَّرَ بِهِ جُدْرَانَهَا وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ زَخْرَفَ الْمَسَاجِدَ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ فِي تَطْيِيبِ الْكَعْبَةِ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يُجَمِّرُ الْكَعْبَةَ كُلَّ يَوْمٍ بِرَطْلٍ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ يُجَمِّرُهَا بِرَطْلَيْنِ وَأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ خَلَّقَ جَوْفَ الْكَعْبَةِ كُلَّهُ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ طَيِّبُوا الْبَيْتَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ تَطْهِيرِهِ تَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [الحج: ٢٦] وَأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَطِيبُ الْكَعْبَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُهْدِيَ لَهَا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجْرَى لِلْكَعْبَةِ الطِّيبَ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ كَانَ مُعَاوِيَةُ أَوَّلَ مَنْ طَيَّبَ الْكَعْبَةَ بِالْخَلُوقِ وَالْمِجْمَرِ وَأَجْرَى الزَّيْتَ لِقَنَادِيلِ الْمَسْجِدِ فِي بَيْتِ الْمَالِ انْتَهَى.

وَفِي الْمِصْبَاحِ الْخَلُوقُ مِثْلُ رَسُولٍ مَا يُتَخَلَّقُ بِهِ مِنْ الطِّيبِ، قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ مَائِعٌ فِيهِ صُفْرَةٌ وَالْخِلَاقُ مِثْلُ كِتَابٍ مِثْلُهُ وَخَلَقَتْ الْمَرْأَةُ بِالْخَلُوقِ تَخْلِيقًا فَتَخَلَّقَتْ هِيَ بِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ إلَخْ) وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ حَجِيجُ الْعِرَاقِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ عُدُولِهِمْ إلَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ لِضِيقِ وَقْتِهِمْ فَفِيهِ تَفْوِيتُ سُنَنٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا دُخُولُ مَكَّةَ وَطَوَافُ الْقُدُومِ وَتَعْجِيلُ السَّعْيِ وَزِيَارَةُ الْبَيْتِ وَكَثْرَةُ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحُضُورُ خُطْبَةِ الْإِمَامِ يَوْمَ السَّابِعِ بِمَكَّةَ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَالصَّلَاةُ بِهَا وَحُضُورُ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ اهـ. إيضَاحٌ.

(قَوْلُهُ: مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ نَهَارًا وَبَعْدَ الْفَجْرِ وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ مَاشِيًا وَحَافِيًا إلَّا لِعُذْرٍ وَأَنْ يَكُونَ دَاعِيًا مُتَضَرِّعًا خَاشِعًا مُتَذَلِّلًا بِخُضُوعِ قَلْبٍ وَجَوَارِحَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مُتَذَكِّرًا جَلَالَةَ الْحَرَمِ وَمَزِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِهِ مُتَجَنِّبًا لِلْمُزَاحَمَةِ وَالْإِيذَاءِ مُتَلَطِّفًا بِمَنْ يُزَاحِمُهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

وَفَارَقَ الْمَشْيُ هُنَا الْمَشْيَ فِي بَقِيَّةِ الطَّرِيقِ بِأَنَّهُ هُنَا أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ، وَلَيْسَ فِيهِ فَوَاتُ مُهِمٍّ؛ وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ يَتَعَرَّضُ فِي الدُّخُولِ بِالْإِيذَاءِ بِدَابَّتِهِ فِي الزَّحْمَةِ وَالْأَفْضَلُ لِلْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى دُخُولُهَا فِي هَوْدَجِهَا وَنَحْوِهِ. اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ) وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْغُسْلِ بِذِي طَوًى بِأَنَّ حِكْمَةَ الدُّخُولِ مِنْ كَدَاءٍ غَيْرُ حَاصِلَةٍ بِسُلُوكِ غَيْرِهَا وَحِكْمَةَ الْغُسْلِ النَّظَافَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ اهـ. شَرْحُ م ر.

١ -

(قَوْلُهُ: بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ) وَدَالُهُ مُهْمَلَةٌ خِلَافًا لِمَنْ أَعْجَمَهَا لِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى الْإِهْمَالِ وَيَجُوزُ فِيهَا وَفِي كُدًى الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ بِاعْتِبَارِ إرَادَةِ الْمَكَانِ يَعْنِي الْجَبَلَ وَالْبُقْعَةَ وَبِمَكَّةَ مَوْضِعٌ ثَالِثٌ يُقَالُ لَهُ كَدِيٌّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى طَرِيقِ الْيَمَنِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ أَيْضًا بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ) عِبَارَةُ حَجّ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ وَتُسَمَّى عَلَى نِزَاعِ فِيهِ الْحَجُونُ الثَّانِي الْمُشْرِفُ عَلَى الْمَقْبَرَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُعَلَّاةِ، وَزَعْمُ أَنَّ دُخُولَهُ مِنْ الْعَلْيَاءِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهَا بِطَرِيقِهِ تَرُدُّهُ الْمُشَاهَدَةُ الْقَاضِيَةُ بِأَنَّهُ تَرَكَ طَرِيقَهُ الْوَاصِلَةَ إلَى الشُّبَيْكَةِ وَعَرَجَ عَنْهَا إلَى تِلْكَ الَّتِي لَيْسَتْ بِطَرِيقِهِ قَصْدًا مَعَ صُعُوبَتِهَا وَسُهُولَةِ تِلْكَ وَلَا يُنَافِي طَلَبُ التَّعْرِيجِ إلَيْهَا السَّابِقُ أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَجِيئِهِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ وَلَا مِنْ مِنًى عِنْدَ نَفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ النَّفْلِ عَدَمُ الْوُقُوعِ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَتَعْرِيجُهُ إلَيْهَا قَصْدًا أَوْ لَا مَعْلُومٌ فَقُدِّمَ وَمَا قِيسَ بِهِ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: قُعَيْقِعَانَ) بِضَمِّ الْقَافِ الْأُولَى وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ الثَّانِيَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالتَّضْبِيبِ اهـ. ح ل وَهُوَ عَلَى يَسَارِ الدَّاخِلِ مِنْ بَابِ شُبَيْكَةَ.

(قَوْلُهُ: وَاخْتَصَّتْ الْعَلْيَاءُ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالْمَعْنَى فِيهِ وَفِي الدُّخُولِ مِمَّا مَرَّ الذَّهَابُ مِنْ طَرِيقٍ وَالْخُرُوجُ مِنْ أُخْرَى كَمَا فِي الْعِيدِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَصَّتْ الْعَلْيَاءُ بِالدُّخُولِ لِقَصْدِ الدَّاخِلِ مَكَانًا عَالِيَ الْمِقْدَارِ وَالْخَارِجِ عَكْسَهُ؛ وَلِأَنَّ الْعَلْيَاءَ مَحَلُّ دُعَاءِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ اجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَانَ الدُّخُولُ مِنْهَا أَبْلَغَ مِنْ تَحْقِيقِ اسْتِجَابَةِ دُعَاءِ إبْرَاهِيمَ؛ وَلِأَنَّ الدَّاخِلَ مِنْهَا يَكُونُ مُوَاجِهًا لِبَابِ الْكَعْبَةِ وَجِهَتُهُ أَفْضَلُ الْجِهَاتِ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: وَالسُّفْلَى بِالْخُرُوجِ) عِبَارَةُ حَجّ وَيَخْرُجُ

<<  <  ج: ص:  >  >>