قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَبَيْنَ هَذَا الْمَسْجِدِ وَمَوْقِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّخَرَاتِ نَحْوُ مِيلٍ (وَ) أَنْ (يُكْثِرُوا الذِّكْرَ) مِنْ تَهْلِيلٍ وَغَيْرِهِ (وَالدُّعَاءَ إلَى الْغُرُوبِ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ خَبَرَ «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ
ــ
[حاشية الجمل]
سُنَنِ الْوُقُوفِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الْوُقُوفِ بِمَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ، وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ عِنْدَ الْعَوَامّ مِنْ الِاعْتِنَاءِ بِالْوُقُوفِ عَلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ الَّذِي بِوَسَطِ عَرَفَاتٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ حَتَّى رُبَّمَا تَوَهَّمَ كَثِيرٌ مِنْ جَهَلَتِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ إلَّا بِهِ فَخَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ فِي صُعُودِ هَذَا الْجَبَلِ فَضِيلَةً إلَّا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْصِدَ هَذَا الْجَبَلَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ جَبَلُ الدُّعَاءِ وَهُوَ مَوْقِفُ الْأَنْبِيَاءِ اهـ. وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا ضَعِيفٌ فَالصَّوَابُ هُوَ الِاعْتِنَاءُ بِمَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي وَسَطِ عَرَفَاتٍ جَبَلٌ يُسَمَّى جَبَلَ الرَّحْمَةِ لَا نُسُكَ فِي صُعُودِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْتَادُهُ النَّاسُ إذَا عَرَفْت مَا ذَكَرْنَا مَنْ كَانَ رَاكِبًا فَلْيُخَالِطْ بِدَابَّتِهِ الصَّخَرَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَلْيُدَاخِلْهَا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ رَاجِلًا قَامَ عَلَى الصَّخَرَاتِ أَوْ عِنْدَهَا عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي أَحَدًا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ الْمَوْقِفُ فَلْيَقْرُبْ مِمَّا يَقْرُبُ مِنْهُ اهـ وَيَتَجَنَّبْ كُلَّ مَوْضِعٍ يُؤْذِي فِيهِ أَوْ يَتَأَذَّى.
السَّادِسَةُ إذَا كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْوُقُوفُ مَاشِيًا أَوْ كَانَ يَضْعُفُ بِهِ عَنْ الدُّعَاءِ أَوْ كَانَ مِمَّا يُقْتَدَى بِهِ وَيُسْتَفْتَى فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ رَاكِبًا وَإِنْ كَانَ لَا يَضْعُفَ بِالْمَشْيِ عَنْ الدُّعَاءِ وَلَا هُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهَا الرُّكُوبُ أَفْضَلُ، وَالثَّانِي الْمَشْيُ أَفْضَلُ وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ قَاعِدَةً؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا نَحْوُ هَوْدَجٍ فَالْأَوْلَى لَهَا الرُّكُوبُ فِيهِ وَأَنْ تَكُونَ فِي حَاشِيَةِ الْمَوْقِفِ لَا عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَالزَّحْمَةِ، السَّابِعَةُ الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُتَطَهِّرًا مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ فَلَوْ وَقَفَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ صَحَّ وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ إلَى أَنْ قَالَ التَّاسِعَةُ أَنْ يَكُونَ حَاضِرَ الْقَلْبِ فَارِغًا مِنْ الْأُمُورِ الشَّاغِلَةِ عَنْ الدُّعَاءِ فَيُقَدِّمُ قَضَاءَ اشْتِغَالِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَتَفَرَّغُ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ عَنْ جَمِيعِ الْعَلَائِقِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقِفَ فِي طُرُقِ الْقَوَافِلِ وَغَيْرِهَا لِئَلَّا يَنْزَعِجَ بِهِمْ إلَى أَنْ قَالَ الْحَادِيَةَ عَشَرَ الْأَفْضَلُ لِلْوَاقِفِ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ، بَلْ يَبْرُزُ لِلشَّمْسِ إلَّا لِعُذْرٍ بِأَنْ يَتَضَرَّرَ أَوْ يَنْقُصَ دُعَاؤُهُ أَوْ اجْتِهَادُهُ إلَى أَنْ قَالَ الثَّالِثَةَ عَشَرَ لِيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ مَا أَمْكَنَهُ فَإِنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْوَقْفِ الْمُبْهَمِ فِيمَا لَا يَعْنِي وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْتَرَزَ غَايَةَ الِاحْتِرَازِ عَنْ احْتِقَارِ مَنْ يَرَاهُ رَثَّ الْهَيْئَةِ أَوْ مُقَصِّرًا فِي شَيْءٍ وَيُحْتَرَزُ عَنْ انْتِهَارِ السَّائِلِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ خَاطَبَ ضَيْفًا تَلَطَّفَ فِي مُخَاطَبَتِهِ فَإِنْ رَأَى مُنْكَرًا مُحَقَّقًا أَنْكَرَهُ بِلُطْفٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوْلَى ذِكْرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ عَقِبَ قَوْلِهِ إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهَا هُنَا إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ الْوُقُوفُ بِمَوْقِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي عِبَارَةِ الْإِيضَاحِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَفْضَلُ الدُّعَاءِ إلَخْ) وَإِذَا كَانَ هُوَ الْأَفْضَلَ فَيَتَعَيَّنُ الْإِكْثَارُ مِنْهُ فَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْمُدَّعَى، وَأَمَّا دَلِيلُ إكْثَارِ الذِّكْرِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ حَجّ بِقَوْلِهِ وَرَوَى الْمُسْتَغْفِرِيُّ خَبَرَ «مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] يَوْمَ عَرَفَةَ أَلْفَ مَرَّةٍ أُعْطِيَ مَا سَأَلَ» اهـ.
(قَوْلُهُ: دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْإِضَافَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ دُعَاءٌ خُصَّ بِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقَوْلُهُ أَفْضَلُ مَا قُلْت إلَخْ أَيْ أَفْضَلُ مَا دَعَوْت بِهِ إلَخْ بَيَانٌ لِلدُّعَاءِ الَّذِي خُصَّ بِذَلِكَ الْيَوْمِ فَالدُّعَاءُ هُوَ قَوْلُهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى فِي فَعَلَى هَذَا يَعُمُّ الدُّعَاءَ بِأَيِّ شَيْءٍ دَعَا وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَفْضَلُ مَا قُلْت إلَخْ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ إلَخْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ بِتَصَرُّفٍ.
(قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ مَا قُلْت إلَخْ) أَيْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ كَمَا فِي رِوَايَاتٍ اهـ. رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ إلَخْ) وَرَوَى الْمُسْتَغْفِرِيُّ خَبَرَ «مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] أَلْفَ مَرَّةٍ يَوْمَ عَرَفَةَ أُعْطِيَ مَا سَأَلَ» ، وَسُنَّ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةَ الْحَشْرِ وَيَسْتَغْفِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ لِمَا صَحَّ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» وَيَسْتَفْرِغُ جُهْدَهُ فِيمَا يُمْكِنُهُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ وَتَفْرِيغِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ مِنْ كُلِّ مَذْمُومٍ فَإِنَّهُ مَوْقِفٌ تُسْكَبُ فِيهِ الْعَبَرَاتُ وَتُقَالُ الْعَثَرَاتُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو بِعَرَفَةَ يَدَاهُ إلَى صَدْرِهِ كَاسْتِطْعَامِ الْمِسْكَيْنِ» كَيْفَ وَهُوَ أَعْظَمُ مَجَامِعِ الدُّنْيَا وَفِيهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالْخَوَاصِّ مَا لَا يُحْصَى وَصَحَّ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَاهِي بِالْوَاقِفِينَ الْمَلَائِكَةَ» وَيُسَنُّ لِلذَّكَرِ كَامْرَأَةٍ فِي هَوْدَجٍ أَنْ يَقِفَ رَاكِبًا وَمُتَطَهِّرًا وَمُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَبِمَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute