هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ أَمَّا هُمْ كَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَرِعَاءِ الْإِبِلِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى بِلَا دَمٍ.
(وَيَجِبُ عَلَى غَيْرِ نَحْوِ حَائِضٍ)
ــ
[حاشية الجمل]
بِلَا عُذْرٍ وَوَقَعَ فِي مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ وَشَرْحِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ فِي تَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَتَيْ التَّشْرِيقِ إذَا نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ دَمًا، وَانْتَقَدَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ مَتَى فَوَّتَ مَبِيتَهُمَا بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ فَوَّتَ مَبِيتَ الثَّالِثَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ لَزِمَهُ الدَّمُ لَكِنْ لِتَرْكِ الثَّلَاثِ لَا لِتَفْوِيتِهِ مَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْ مَبِيتَ الثَّالِثَةِ فَالْوَاجِبُ مُدَّانِ لَا دَمٌ، قَالَ فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الدَّمِ فِيهِمَا اهـ. وَهُوَ وَاضِحٌ مُتَّجَهٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَإِنْ صُنِّفَ فِي رَدِّهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِشْكَالَ الْمَارَّ فِي وُجُوبِ الْإِطْعَامِ فِي تَرْكِ الرَّمْيَةِ وَالرَّمْيَتَيْنِ مَعَ كَوْنِ هَذَا الدَّمِ لَا يَدْخُلُهُ الْإِطْعَامُ وَجَوَابُهُ يَأْتِي هُنَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ إلَّا هُنَاكَ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ فِي تَرْكِ اللَّيْلَةِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَفِي تَرْكِ اللَّيْلَتَيْنِ ثَمَانِيَةً بِتَفْصِيلِهِمَا السَّابِقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ يَجِبُ مَبِيتٌ بِمِنًى لَيَالِيَ تَشْرِيقٍ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ إلَخْ أَمَّا هُمْ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ هُنَاكَ كَمَا صَنَعَ شُرَّاحُ الْمِنْهَاجِ.
وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ فِي بَحْثِ الْمَبِيتِ نَصُّهَا هَذَا فِيمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ أَمَّا مَنْ تَرَكَ مَبِيتَ مُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنًى لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْعُذْرُ أَقْسَامٌ أَحَدُهَا أَهْلُ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَيَسِيرُونَ إلَى مَكَّةَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالسِّقَايَةِ وَسَوَاءٌ تَوَلَّى السِّقَايَةَ بَنُو الْعَبَّاسِ أَوْ غَيْرُهُمْ وَلَوْ أُحْدِثَتْ سِقَايَةٌ لِلْحَاجِّ فَلِلْمُقِيمِ بِشَأْنِهَا تَرْكُ الْمَبِيتِ كَسِقَايَةِ الْعَبَّاسِ، الثَّانِي رِعَاءُ الْإِبِلِ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لِعُذْرِ الْمَرْعَى فَإِذَا رَمَى الرِّعَاءُ وَأَهْلُ السِّقَايَةِ يَوْمَ النَّحْرِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَلَهُمْ الْخُرُوجُ إلَى الرَّعْيِ وَالسِّقَايَةِ وَتَرْكُ الْمَبِيتِ فِي لَيَالِي مِنًى جَمِيعًا وَلَهُمْ تَرْكُ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّشْرِيقِ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيَرْمُوا عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ عَنْ الثَّانِي ثُمَّ يَنْفِرُوا فَيَسْقُطُ عَنْهُمْ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَنْفِرُ وَمَتَى أَقَامَ الرِّعَاءُ بِمِنًى حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَزِمَهُمْ الْمَبِيتُ بِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَلَوْ أَقَامَ أَهْلُ السِّقَايَةِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَلَهُمْ الذَّهَابُ إلَى السِّقَايَةِ بَعْدَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ شُغْلَهُمْ يَكُونُ لَيْلًا وَنَهَارًا الثَّالِثُ مَنْ لَهُ عُذْرٌ بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْمَبِيتِ أَوْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالٍ مَعَهُ أَوْ لَهُ مَرِيضٌ يَحْتَاجُ إلَى تَعَهُّدِهِ أَوْ يَطْلُبُ عَبْدًا آبِقًا أَوْ يَكُونُ بِهِ مَرَضٌ يَشُقُّ مَعَهُ الْمَبِيتُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ وَلَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلَا شَيْءَ عَلِيم انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْجَمَّالِ فِي شَرْحِ نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي وَإِنَّمَا يَجِبُ هَذَا أَيْ دَمُ تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى عَلَى حَاجٍّ تَرَكَ الْمَبِيتَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا أَصْحَابُ الْأَعْذَارِ فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ كَرِعَاءِ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ لِغَيْرِ دَوَابِّ الْحَاجِّ وَأُجَرَاءَ وَمُتَبَرِّعِينَ قِيَاسًا عَلَى فِطْرِ الْمُرْضِعَةِ الْمُتَبَرِّعَةِ بِالْإِرْضَاعِ فِي رَمَضَانَ بِشَرْطِهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ عَنْهُمْ الدَّمُ إنْ عَسُرَ عَلَيْهِمْ الْإِتْيَانُ بِهَا إلَى مِنًى لَيْلًا وَخَشُوا مِنْ تَرْكِهَا ضَيَاعًا أَوْ جُوعًا لَا صَبْرَ عَلَيْهِ عَادَةً كَمَا اسْتَظْهَرَهُ حَجّ فِي مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ وَخَرَجُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ الرَّعْيَ لَا يَكُونُ لَيْلًا بِخِلَافِ السِّقَايَةِ قَالَ شَيْخُنَا وَمَوْلَانَا السَّيِّدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْ مِنْ شَأْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ فَلَوْ فُرِضَ الِاحْتِيَاجُ لَيْلًا إلَى الرَّعْيِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ يَعْنِي الشِّهَابَ حَجّ فِي الْحَاشِيَةِ أَيْ وَصَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ وَقَدْ يُصَوَّرُ الِاحْتِيَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لَيْلًا بِبُعْدِ الْمَرْعَى اهـ. وَكَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَإِنْ خَرَجُوا لَيْلًا وَخَالَفُوا الرِّعَاءَ بِأَنَّ عَمَلَهُمْ فِي النَّهَارِ فَقَطْ وَفِيهِ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ السِّقَايَةُ قَدِيمَةً أَوْ مُحْدَثَةً بِمَكَّةَ وَبِطَرِيقِهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ لِلْبَيْعِ فِيمَا يَظْهَرُ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَانَ الرِّعَاءُ أُجَرَاءَ وَكَمَنْ خَافَ وَلَوْ بَعْدَ الْغُرُوبِ عَلَى نَحْوِ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ ضَيَاعِ مَرِيضٍ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ أَوْ لَهُ مُتَعَهِّدٌ مَشْغُولٌ بِتَحْصِيلِ نَحْوِ الْأَدْوِيَةِ أَوْ لَمْ يَضَعْ، لَكِنَّهُ يَأْنَسُ بِهِ لِنَحْوِ صَدَاقَةٍ أَوْ إشْرَافٍ عَلَى مَوْتٍ وَإِنْ تَعَهَّدَهُ غَيْرُهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ مِمَّا يُمْكِنُ مَجِيئُهُ هُنَا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ فِي مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ كَخَوْفِ حَبْسِ غَرِيمٍ وَلَا بَيِّنَةَ تَشْهَدُ بِإِعْسَارِهِ أَوْ ثَمَّ قَاضٍ لَا يَسْمَعُهَا إلَّا بَعْدَ الْحَبْسِ وَكَعُقُوبَةِ مَنْ يَرْجُو بِغَيْبَتِهِ الْعَفْوَ.
وَمِنْ الْأَعْذَارِ غَلَبَةُ النَّوْمِ لِمَنْ نَزَلَ لِطَوَافِ الرُّكْنِ وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُهُ وَإِدْرَاكُ الْمُعْظَمِ بِمِنًى أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ حَجّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ) وَأَمَّا الرَّمْيُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بِالنَّصِّ فِي الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ اهـ. ح ل، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعْذُورِينَ يَسْقُطُ عَنْهُمْ الْمَبِيتُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ تَدَارُكُ الرَّمْيِ تَأَمَّلْ اهـ. شَيْخُنَا أَيْ بِالطَّرِيقِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي عِبَارَةِ الْإِيضَاحِ.
(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى غَيْرِ نَحْوِ حَائِضٍ إلَخْ) أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ وَجَبْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute