سَتْرُ بَعْضِ رَأْسِهِ
ــ
[حاشية الجمل]
الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَا يَخْفَى مِثْلُهَا غَالِبًا وَبِالْمُخْتَارِ الْمُكْرَهُ وَهُوَ يَشْمَلُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى اسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ بِأَنْ أَحْرَمَ لَابِسًا لِضَرُورَةٍ ثُمَّ عِنْدَ زَوَالِهَا أُكْرِهَ عَلَى اسْتِدَامَتِهِ أَوْ بِأَنْ أَلْبَسَهُ الْمُكْرِهُ وَأَكْرَهَهُ عَلَى اسْتِدَامَتِهِ أَوْ عَلَى ابْتِدَائِهِ فَقَطْ لَا اسْتِمْرَارِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ زَوَالِ إكْرَاهِهِ النَّزْعُ، وَهَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمُكْرَهِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ إذَا نَزَعَ الْمُكْرَهُ فِيهَا عَقِبَ الْإِكْرَاهِ أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى نَحْوِ الْحَلْقِ بِأَنَّ الثَّانِيَ إتْلَافٌ وَهُوَ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا إذَا اسْتَدَامَ اللُّبْسُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ هَذِهِ الشُّرُوطَ بِقَوْلِهِ وَيُعْتَبَرُ مَعَ مَا ذُكِرَ عَقْلٌ إلَخْ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَلْبُوسِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ هُنَاكَ.
(قَوْلُهُ: سَتْرُ بَعْضِ رَأْسِهِ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ كَبَيَاضِ خَلْفِ أُذُنِهِ فَيَجِبُ كَشْفُ جَمِيعِهِ مَعَ كَشْفِ جُزْءٍ مِمَّا يُحَاذِيهِ مِنْ الْجَوَانِبِ إذْ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَتْ الْأُذُنُ مِنْ الرَّأْسِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهَا اهـ. شَرْحُ م ر قَالَ ابْنُ الْجَمَّالِ وَالْمُرَادُ بِالْبَيَاضِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَعْلَى الْجُمْجُمَةِ الْمُحَاذِي لِأَعْلَى الْأُذُنِ لَا الْبَيَاضُ وَرَاءَهَا النَّازِلُ عَنْ الْجُمْجُمَةِ الْمُتَّصِلُ بِآخِرِ اللِّحَى الْمُحَاذِي لِشَحْمَةِ الْأُذُنِ اهـ.
وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ جَوَازُ سَتْرِ وَجْهِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِوُرُودِهِ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ فِي قِيمَةِ الْمُحْرِمِ الْمَوْقُوصِ «وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ» ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ذِكْرُ الْوَجْهِ غَرِيبٌ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ اهـ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ ذِكْرَهُ احْتِيَاطًا لِلرَّأْسِ اهـ. وَقَوْلُهُ: جَوَازُ سَتْرِ وَجْهِهِ أَيْ بِغَيْرِ مَخِيطٍ لِمَا بِالْمَخِيطِ فَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ يَحْرُمُ لُبْسُ الْمَخِيطِ فِي بَاقِي بَدَنِهِ تَحْرِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَاقِي وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ عَلَى مَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَوَازُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. سَمِّ.
(قَوْلُهُ: بَعْضَ رَأْسِهِ) أَيْ بَشَرًا أَوْ شَعْرًا فِي حَدِّهِ بِخِلَافِ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَيَظْهَرُ فِي شَعْرٍ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ سَتْرُ الْخَارِجِ مِنْهُ كَمَا لَا يُجْزِئُ مَسْحُهُ فِي الْوُضُوءِ بِجَامِعِ أَنَّ الْبَشَرَةَ فِي كُلٍّ هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالْحُكْمِ وَإِنَّمَا أَجْزَأَ تَقْصِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالشَّعْرِ لَا الْبَشَرَةِ فَلَمْ يُشْبِهْ مَا نَحْنُ فِيهِ انْتَهَتْ قَالَ ابْنُ الْجَمَّالِ وَقَيَّدَهُ السَّيِّدُ عُمَرُ بِمَا إذَا كَانَ سَتْرُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِحَاطَةِ وَإِلَّا فَهُوَ حِينَئِذٍ كَكِيسِ اللِّحْيَةِ اهـ.
(فَرْعٌ) إذَا لَبِسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا فَوْقَ آخَرَ مَعَ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنْ سَتَرَ الثَّانِي مَا لَمْ يَسْتُرْهُ الْأَوَّلُ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا لَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ بِسَاتِرٍ فَوْقَ سَاتِرٍ فَإِنْ سَتَرَ الثَّانِي مَا لَمْ يَسْتُرْهُ الْأَوَّلُ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَلَا هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِيهِمَا خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا اهـ. م ر اهـ. سَمِّ وَفِي الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ فَصَلَ فِيمَا إذَا فَعَلَ الْمُحْرِمُ مَحْظُورَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ هَلْ تَتَدَاخَلُ هَذَا الْبَابُ وَاسِعٌ لَكِنَّ مُخْتَصَرَهُ أَنَّ الْمَحْظُورَ قِسْمَانِ اسْتِهْلَاكٌ كَالْحَلْقِ وَاسْتِمْتَاعٌ كَالطِّيبِ فَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ كَالْحَلْقِ وَاللُّبْسِ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ، وَكَذَا إتْلَافُ الصَّيُودِ تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ بِهِ وَكَذَا الصَّيْدُ مَعَ الْحَلْقِ أَوْ اللُّبْسِ لَكِنْ لَوْ لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ وَشَعْرَ بَدَنِهِ مُتَوَاصِلًا فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ فِدْيَتَانِ وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي مَكَانَيْنِ أَوْ فِي مَكَانِ فِي زَمَانَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ فَعَلَيْهِ فِدْيَتَانِ وَلَوْ تَطَيَّبَ بِأَنْوَاعِ الطِّيبِ أَوْ لَبِسَ أَنْوَاعًا كَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفِّ أَوْ نَوْعًا وَاحِدًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَكَان وَاحِدٍ عَلَى التَّوَالِي فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي مَكَانَيْنِ أَوْ فِي مَكَان وَتَخَلَّلَ زَمَنٌ فَعَلَيْهِ فِدْيَتَانِ سَوَاءٌ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا تَكْفِيرٌ عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي قَوْلٍ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا تَكْفِيرٌ كَفَاهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ. وَفِي شَرْحِ ابْنِ الْجَمَّالِ مَا نَصُّهُ.
(فَائِدَةٌ) تَتَكَرَّرُ الْفِدْيَةُ بِتَكَرُّرِ اللُّبْسِ وَالسِّتْرِ مَعَ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ عُرْفًا كَمَا اسْتَظْهَرَ ضَبْطَهُ بِهِ فِي الْإِمْدَادِ فَلَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ لِضَرُورَةٍ وَاحْتَاجَ لِكَشْفِهِ عِنْدَ غُسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ بَعْضِهِ عِنْدَ مَسْحِهِ فِي الْوُضُوءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَعَدُّدَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُبَاشَرَةِ الْجَائِزِ عَدَمُ الضَّمَانِ وَلِأَنَّ إيجَابَ الْكَشْفِ لِتَحْصِيلِ الْوَاجِبِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ صِحَّةُ عِبَادَتِهِ صَيَّرَهُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ شَرْعًا وَالْإِكْرَاهُ الشَّرْعِيُّ كَالْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ، وَهَذَا لَا تَعَدُّدَ فِيهِ فَكَذَا الشَّرْعِيُّ وَإِنَّمَا وَجَبَ الدَّمُ لِأَصْلِ اللُّبْسِ لِضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرَفُّهًا وَحَظًّا لِلنَّفْسِ بِخِلَافِ هَذَا فَهُوَ لِتَحْصِيلِ الْوَاجِبِ كَمَا ذُكِرَ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ حَجّ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ اهـ مُلَخَّصًا، وَقَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ قَضِيَّةِ قَوْلِهِمْ تَتَكَرَّرُ إلَخْ تَكْرِيرُهَا نَقْلًا عَنْ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَمَا أَظُنُّ السَّلَفَ مَعَ عَدَمِ خُلُوِّ زَمَانِهِمْ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ يُوجِبُونَ ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute