لِأَنَّا نُعَارِضُهُ بِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الِاسْتِيعَابُ لَوَجَبَ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ بِعَيْنِ مَا قُلْتُمْ، فَإِنْ قُلْتَ: صِيغَةُ الْأَمْرِ بِمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ وَاحِدَةٌ فَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ التَّعْمِيمَ أَيْضًا.
قُلْتُ: الْمَسْحُ ثَمَّ بَدَلٌ لِلضَّرُورَةِ وَهُنَا أَصْلٌ وَاحْتَرَزْنَا بِالضَّرُورَةِ عَنْ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ (وَلَهُ غَسْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ (وَ) لَهُ (بَلُّهُ) كَوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِلَا مَدٍّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ إلَيْهِ.
(وَ) خَامِسُهَا (غَسْلُ رِجْلَيْهِ بِكُلِّ كَعْبٍ) مِنْ كُلِّ رِجْلٍ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا كَعْبَانِ وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦] وَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ قُرِئَ فِي السَّبْعِ " أَرْجُلَكُمْ " بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْوُجُوهِ لَفْظًا فِي الْأَوَّلِ، وَمَعْنًى فِي الثَّانِي لِجَرِّهِ عَلَى الْجِوَارِ وَفُصِلَ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ إشَارَةً إلَى التَّرْتِيبِ بِتَقْدِيمِ مَسْحِ الرَّأْسِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَيَجِبُ غَسْلُ مَا عَلَيْهِمَا مِنْ شَعْرٍ وَغَيْرِهِ، وَغَسْلُهُمَا هُوَ الْأَصْلُ وَسَيَأْتِي
ــ
[حاشية الجمل]
فِي غَيْرِهَا فَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ الِاكْتِفَاءُ بِالْبَعْضِ مُطْلَقًا وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الرَّاوِيَ فَهِمَ تَكَرُّرَ ذَلِكَ وَكَثْرَةَ وُقُوعِهِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَطْلَقَهُ فَأَخَذَ بِمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ وَكَأَنَّهُ قَالَ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ مُتَكَرِّرًا حَتَّى كَانَتْ هَذِهِ عَادَتَهُ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا كَوْنُ الرَّاوِي ذَكَرَهُ فِي بَيَانِ صِفَةِ وُضُوئِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَرْعٌ) :
مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ، أَوْ خِرْقَةٍ عَلَى رَأْسِهِ فَوَصَلَ الْبَلَلُ لِلرَّأْسِ فَالْوَجْهُ أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلَ الْجُرْمُوقِ بَلْ يَتَعَيَّنُ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ حَجّ يَكْفِي مُطْلَقًا قَصَدَ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْجُرْمُوقِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر. (فَرْعٌ) :
لَوْ مَسَحَ عِرْقِيَّةً فَوَصَلَ الْبَلَلُ لِجِلْدِ رَأْسِهِ، أَوْ شَعْرِهِ فَالْوَجْهُ جَرَيَانُ تَفْصِيلِ الْجُرْمُوقِ فِيهِ وَلَا يُتَّجَهُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْ اهـ م ر اهـ سم عَلَى الْبَهْجَةِ وَقَالَ حَجّ: وَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَى خِرْقَةٍ عَلَى الرَّأْسِ فَوَصَلَ إلَيْهِ الْبَلَلُ أَجْزَأَ قِيلَ الْمُتَّجَهُ تَفْصِيلُ الْجُرْمُوقِ فِيهِ اهـ وَيُرَدُّ بِمَا مَرَّ أَنَّهُ حَيْثُ حَصَلَ الْغَسْلُ بِفِعْلِهِ بَعْدَ النِّيَّةِ لَمْ يُشْتَرَطْ تَذَكُّرُهَا عِنْدَهُ، وَالْمَسْحُ مِثْلُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُرْمُوقِ بِأَنَّ ثَمَّ صَارِفًا وَهُوَ مُمَاثَلَةُ غَيْرِ الْمَمْسُوحِ عَلَيْهِ لَهُ فَاحْتِيجَ لِقَصْدٍ مُمَيِّزٍ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا اهـ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّا نُعَارِضُهُ إلَخْ) هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَاحِثَ مَالِكِيٌّ أَمَّا لَوْ كَانَ حَنَفِيًّا فَنَقُولُ لَهُ فِي الْمُعَارَضَةِ لَوْ وَجَبَ الرُّبُعُ لَاكْتُفِيَ بِالْأُذُنَيْنِ تَكْمِلَةً لَهُ لِخَبَرِ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: بِعَيْنِ مَا قُلْتُمْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ سَنَدُ الْمُلَازَمَةِ وَهُوَ الْحَدِيثُ، وَإِلَّا فَأَصْلُ الدَّلِيلِ مُخْتَلِفٌ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: قُلْنَا الْمَسْحُ ثَمَّ بَدَلٌ) أَيْ فَأُعْطِيَ حُكْمَ مُبْدَلِهِ وَهُنَا أَصْلٌ فَعُمِلَ فِيهِ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ: وَاحْتَرَزْنَا بِالضَّرُورَةِ عَنْ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ أَيْ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ بَدَلٌ وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ، وَاسْتِيعَابُهُ يُفْسِدُهُ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ) فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ اسْتِيعَابُهُ وَمَا جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ حَيْثُ وَجَبَ بَلْ كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ الْعَكْسَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فِيهِ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِيعَابِ وَهُوَ فَسَادُهُ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْحَلَبِيُّ وَلَيْسَ الْمَانِعُ مِنْ وُجُوبِ التَّعْمِيمِ مُجَرَّدَ الْحَاجَةِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَلَهُ غَسْلُهُ) أَيْ بِلَا كَرَاهَةٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَشَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ) إنْ قُلْت هُوَ مُغَايِرٌ لَهُ قَطْعًا فَكَيْفَ يَكُونُ نَفْسَهُ قُلْت مُرَادُهُ بِهِ أَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِمَقْصُودِ الْمَسْحِ مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ لِلرَّأْسِ لَا أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ مَسْحٌ وَغَسْلٌ فَسَقَطَ مَا قِيلَ: الْمَسْحُ ضِدُّ الْغَسْلِ فَكَيْفَ يُحَصِّلُهُ مَعَ زِيَادَةٍ اهـ حَجّ بِالْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: بِلَا مَاءٍ) قَيَّدَ بِهَذَا لِيَكُونَ بَلَلًا لَا مَسْحًا فَفِي الْمِصْبَاحِ مَسَحْتُ الشَّيْءَ بِالْمَاءِ مَسْحًا أَمْرَرْتُ الْيَدَ عَلَيْهِ اهـ.
وَفِي الْمُخْتَارِ وَبَلَّهُ نَدَّاهُ وَبَابُهُ رَدَّ اهـ وَحَقِيقَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُخَالِفَةٌ لِحَقِيقَةِ الْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ إسَالَةُ الْمَاءِ عَلَى الشَّيْءِ وَلَيْسَ فِيهِمَا إسَالَةٌ اهـ.
غَسْلُ رِجْلَيْهِ. (قَوْلُهُ: مَفْصِلِ السَّاقِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ اللِّسَانُ، وَالسَّاقُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ مَا بَيْنَ الْقَدَمِ وَالرُّكْبَةِ وَهُوَ مُؤَنَّثٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُجْمَعُ عَلَى أَسْوُقٍ وَسِيقَانٍ وَسُوقٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَوْقِهَا لِلْجَسَدِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦] لَمْ يَقُلْ إلَى الْكُعُوبِ كَمَا قَالَ فِي الْأَيْدِي إلَى الْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّ كُلَّ رِجْلٍ فِيهَا كَعْبَانِ وَجَمَعَ الْمَرَافِقَ؛ لِأَنَّ كُلَّ يَدٍ فِيهَا مِرْفَقٌ وَمُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي الْقِسْمَةَ آحَادًا فَلَوْ جُمِعَ الْكَعْبُ لَأَوْهَمَ الْقِسْمَةَ آحَادًا فَيَقْتَضِي وُجُوبَ غَسْلِ كَعْبٍ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا غَسْلُ يَدٍ وَاحِدَةٍ وَرِجْلٍ وَاحِدَةٍ قُلْنَا صَدَّنَا عَنْهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: عَطْفًا عَلَى الْوُجُوهِ) أَشَارَ بِهِ لِلرَّدِّ عَلَى الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ فِي قَوْلِهِ عَطْفًا عَلَى الْأَيْدِي فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ الْمَعْطُوفَاتِ، وَإِنْ كَثُرَتْ تَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا عَلَى الْمَرْجُوحِ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ عَلَى الْمَرْجُوحِ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ أَيْ مِنْ جِنْسِ الْمَغْسُولِ وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَفْظًا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ وَمَعْنًى وَقَوْلُهُ: وَمَعْنًى فِي الثَّانِي أَيْ وَلَفْظًا إلَّا أَنَّ الْحَرَكَةَ مُقَدَّرَةٌ وَالْمَانِعُ مِنْ ظُهُورِهَا اشْتِغَالُ الْمَحَلِّ بِحَرَكَةِ الْمُجَاوَرَةِ فَفِي كَلَامِهِ احْتِبَاكٌ اهـ أُجْهُورِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمَعْنًى فِي الثَّانِي) أَيْ لِأَنَّهُ لَمَّا جَاوَرَ الْمَجْرُورَ وَهُوَ الرُّءُوسُ جُرَّ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، وَكَانَ حَقُّهُ النَّصْبَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى اهـ ع ش. (قَوْلُهُ: لِجَرِّهِ بِالْجِوَارِ) نُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ شَرْطَ الْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى الْمَجْرُورِ حَرْفُ عَطْفٍ كَمَا لَوْ قِيلَ: جُحْرُ ضَبٍّ وَخَرِبٍ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute