لِتَفْرِيطِهِ فِيمَا عَلَيْهِ حِفْظُهُ وَلِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ فِيمَا إذَا أَذِنَ لِلْحَالِقِ أَوْ سَكَتَ بِدَلِيلِ الْحِنْثِ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْحُرْمَةِ فِي هَذِهِ فَقَدْ انْفَرَدَ الْمَحْلُوقُ بِالتَّرَفُّهِ وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِقَوْلِهِمْ: الْمُبَاشِرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعُدْ نَفْعُهُ عَلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَاةً وَأَمَرَ قَصَّابًا بِذَبْحِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا إلَّا الْغَاصِبُ.
(وَ) حَرُمَ بِهِ عَلَى كُلٍّ (وَطْءٌ) بِشُرُوطِهِ الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا فِيمَا مَرَّ قَالَ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] أَيْ
ــ
[حاشية الجمل]
آمِرِهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْحَالِقِ وَمِثْلُهُ لَوْ أَمَرَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالٌ مُحْرِمًا أَوْ عَكْسُهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَصَرِيحُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعْذُورَيْنِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا غَيْرَ مَعْذُورَيْنِ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْحَالِقِ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ انْتَهَتْ وَانْظُرْ هَلْ يَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي التَّطْيِيبِ وَالدَّهْنِ فِيمَا طَيَّبَ أَوْ دَهَنَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ مُحْرِمًا أَوْ هُوَ خَاصٌّ بِالْإِزَالَةِ يُحَرَّرُ.
(قَوْلُهُ: لِتَفْرِيطِهِ فِيمَا عَلَيْهِ حِفْظُهُ) عِبَارَةُ حَجّ لِأَنَّ الشَّعْرَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ كَالْوَدِيعَةِ فَيَلْزَمُهُ دَفْعُ مُتْلَفَاتِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ الْحِنْثِ بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْحَلْقِ وَالسُّكُوتِ عَلَيْهِ هَذَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا كَمَا قَالَ هُوَ فِي الْأَيْمَانِ فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا حَنِثَ بِفِعْلِهِ لَا بِفِعْلِ وَكِيلِهِ اهـ. بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ: قَصَّابًا) أَيْ جَزَّارًا.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَضْمَنْهَا إلَّا الْغَاصِبُ) أَيْ لَا يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ إلَّا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْقَصَّارُ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ فَيُطَالَبُ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا وَفِي صُورَةِ الْعِلْمِ يَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: إلَّا الْغَاصِبُ أَيْ إنْ كَانَ جَاهِلًا فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يُطَالَبُ مُطْلَقًا اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ بِهِ وَطْءٌ) أَيْ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى زَوْجَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ عَلَى جِهَةِ الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ أَوْ كَانَ الْجِمَاعُ فِي بَهِيمَةٍ أَوْ فِي مَيِّتَةٍ وَلَوْ مَعَ لَفِّ خِرْقَةٍ عَلَى ذَكَرِهِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِذَكَرٍ مُتَّصِلٍ أَوْ مُنْفَصِلٍ أَوْ بِمَقْطُوعٍ وَلَوْ مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ مِنْ قَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْ فَاقِدِهَا اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: أَوْ بِمَقْطُوعٍ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا وَيَفْسُدُ حَجُّهَا وَإِنْ كَانَتْ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ كَمَا يَأْتِي اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَوَطْءٌ وَمُقَدِّمَاتُهُ بِشَهْوَةٍ) مَحَلُّ حُرْمَتِهِمَا قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ أَوْ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ سِيَاقُ الْكَلَامِ أَمَّا بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ بَقِيَ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ.
(فَائِدَةٌ)
قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْوَطْءِ عَنْ رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِيَزُولَ عَنْهُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ كَذَا جَزَمَ الشَّيْخَانِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَلَا مَعْنَى لَهُ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ خَبَرُ: أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ، وَخَبَرُ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِتَطُوفَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَكَانَ يَوْمَهَا فَأَحَبَّ أَنْ تُوَافِيَهُ لِيُوَاقِعَهَا فِيهِ» وَعَلَيْهِ بَوَّبَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ بَابَ الرَّجُلِ يَزُورُ الْبَيْتَ ثُمَّ يُوَاقِعُ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مِنًى وَذَكَرَهُ اهـ. قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُؤَيِّدُهُ اسْتِحْبَابُ الطِّيبِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. أَيْ لِأَنَّ الطِّيبَ مِنْ دَوَاعِيهِ وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ الشِّرْبِينِيُّ فِي الْمَعْنَى وَالْجَمَالُ الرَّمْلِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَالشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ وَالْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ بِأَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ زَادَ الْأَخِيرُ وَأَنَّ النَّاسَ مِنْ شَأْنِهِمْ ذَلِكَ اهـ. قَالَ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا السَّيِّدُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِبُعْدِ هَذَا التَّأْوِيلِ جِدًّا مَعَ ذِكْرِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مَعَهُ فَذِكْرُهُمَا مَعَهُ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَشْرُوعِيَّتُهُ كَهُمَا لِامْتِنَاعِ الصَّوْمِ فِيهَا اهـ وَعَنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي فَأَحَبَّ أَنْ تُوَافِيَهُ إلَخْ قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْحَاشِيَةِ وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ بِأَنَّهُ تَعْبِيرٌ مِنْ الرَّاوِي بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ قَالَ وَبِتَسْلِيمِ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَهُوَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى وَيُحْتَاجُ إلَى ظُهُورِهِ فِي هَذَا الْمَجْمَعِ الْعَظِيمِ بِدَلَالَةِ الْفِعْلِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْقَوْلِ اهـ. زَادَ الْأَخِيرُ رَدَّ التَّأْيِيدِ الشَّرْحَ الْمَذْكُورَ، وَنَدْبُ الطِّيبِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ لَا يَقْتَضِي نَدْبَ الْجِمَاعِ بَعْدَهُمَا وَإِلَّا لَمَا نُدِبَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْجِمَاعِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَسَبَبُ نَدْبِ الطِّيبِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ أَنْ يُخَالِفَ قَبْلَهُ كَالْأَكْلِ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ وَقَبْلَ ذَلِكَ حَرَامٌ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ وَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِلَا يُسَنُّ بَدَلَ قَوْلِهِمْ يُسَنُّ أَنْ لَا يَطَأَ إلَخْ أَنَّهُ يَعْنِي إثْبَاتَ سُنَّةِ نَفْيِ الْوَطْءِ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ اهـ. بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِلَا يُسَنُّ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَطْءَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مُبَاحٌ بِخِلَافِ تَعْبِيرِهِمْ بِلَا يُسَنُّ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْوَطْءَ فِيهَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَأَنَّ عَدَمَهُ سُنَّةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ يَتَوَجَّهُ عَلَى عِبَارَتِهِ فِي مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ قَالَهُ شَارِحُهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا فِي مَا مَرَّ) وَهِيَ الْعَقْلُ وَالِاخْتِيَارُ وَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِحْرَامُ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: فَلَا رَفَثَ. الْآيَةَ) قَالَ بَعْضُهُمْ حِكْمَةُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ لَا أَزْيَدَ وَلَا أَنْقَصَ أَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَرْبَعَ قُوًى قُوًى شَهْوَانِيَّةٌ بَهِيمِيَّةٌ وَقُوًى غَضَبِيَّةٌ سَبْعِيَّهٌ وَقُوًى وَهْمِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ وَقُوًى عَقْلِيَّةٌ مَلَكِيَّةٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ قَهْرُ الْقُوَى الثَّلَاثِ أَعْنِي