وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَآيَةِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَهُ» .
وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ زِيَادَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَرِبَا الْيَدِ وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ تَأْخِيرِ قَبْضِهِمَا أَوْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا وَرِبَا النَّسَاءِ وَهُوَ الْبَيْعُ لِأَجَلٍ وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْبَابِ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا مَرَّ.
(إنَّمَا يَحْرُمُ) الرِّبَا (فِي نَقْدٍ) أَيْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ كَحُلِّيٍّ وَتِبْرٍ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ كَفُلُوسٍ وَإِنْ رَاجَتْ
ــ
[حاشية الجمل]
الرِّبَا وَقَوْلُهُ أَوْ مَعَ تَأْخِيرِهِ يُمْكِنُ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ وَتُحْمَلُ أَلْ فِي الْبَدَلَيْنِ عَلَى الْمَعْهُودِ شَرْعًا أَيْ وَهُوَ الْأَنْوَاعُ الْمَخْصُوصَةُ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الرِّبَا كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ وَشَمِلَ هَذَا الْقِسْمُ مَا كَانَ الْجِنْسُ فِيهِ مُتَّحِدًا وَمَا كَانَ مُخْتَلِفًا وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مَعْلُومَ التَّمَاثُلِ وَمَا كَانَ مَجْهُولَهُ اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ اهـ. ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ) أَيْ وَأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ كَالسَّرِقَةِ وَيَدُلُّ عَلَى سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَإِيذَاءِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ أَمْوَاتًا لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْذَنْ بِالْمُحَارَبَةِ إلَّا فِيهِمَا وَحُرْمَتُهُ تَعَبُّدِيَّةٌ وَمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّضْيِيقِ وَنَحْوِهِ حِكَمٌ لَا عِلَلٌ وَلَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: ١٦١] أَيْ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر وَكَتَبَ عَلَيْهِ ع ش قَوْلُهُ حُكْمُ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحِكْمَةِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا فَلْيُرَاجَعْ فَإِنَّ فِيهِ نَظَرًا ظَاهِرًا اهـ. سم أَقُولُ نَظَرًا ظَاهِرًا أَيْ لِتَصْرِيحِ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ التَّعَبُّدِيَّ هُوَ الَّذِي لَمْ يُدْرَكْ لَهُ مَعْنًى وَقَدْ يُجَابُ عَنْ كَلَامِ الشَّارِحِ بِأَنَّهُمْ قَدْ يُطْلِقُونَ التَّعَبُّدِيَّ عَلَى مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْحُكْمِ اهـ. وَقَوْلُهُ وَأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي بَعْضِ أَقْسَامِهِ وَهُوَ رِبَا الزِّيَادَةِ وَأَمَّا الرِّبَا مِنْ أَجَلِ التَّأْخِيرِ أَوْ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعُقُودَ الْفَاسِدَةَ مِنْ قَبِيلِ الصَّغَائِرِ
(قَوْلُهُ آكِلَ الرِّبَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْمَمْدُودَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ مُتَنَاوِلَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَخَصَّ الْأَكْلَ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الْمَالِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ وَكَاتِبَهُ) أَيْ الَّذِي يَكْتُبُ الْوَثِيقَةَ بَيْنَ الْمُتَرَابِيَيْنِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ وَشَاهِدَهُ) بِالْإِفْرَادِ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَشَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ الرِّبَا وَشَاهِدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَهُمَا اللَّذَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى الْعَقْدِ إذَا عَلِمَا ذَلِكَ أَيْ بِأَنَّهُ رِبًا وَأَنَّهُ بَاطِلٌ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْمَلْعُونُ بِسَبَبِهِ سَبْعٌ أَوْ عَشْرٌ كَمَا فِي الْخَمْرِ وَمَعْنَى كَوْنِهِمْ مَلْعُونِينَ أَنَّهُمْ مَطْرُودُونَ عَنْ مَوَاطِنِ الْأَبْرَارِ بِمَا اجْتَرَحُوهُ مِنْ ارْتِكَابِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ كِبَارِ الْإِصْرِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِثْمُ الْكَاتِبِ وَالشَّاهِدِ أَخَفُّ مِنْ إثْمِ الْآكِلِ وَالْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا الْإِقْرَارُ فَقَطْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ اهـ. ع ش وَمَحَلُّ إثْمِهِمَا إذَا رَضِيَا بِهِ وَأَقَرَّا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَرْضَيَا وَلَمْ يَنْهَيَا مَعَ قُدْرَتِهِمَا عَلَى النَّهْيِ
(قَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ) وَكُلُّهَا مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهَا اهـ. ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ رِبَا الْفَضْلِ) وَمِنْهُ رِبَا الْقَرْضِ بِأَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ مَا فِيهِ نَفْعٌ لِلْمُقْرِضِ غَيْرَ الرَّهْنِ اهـ. شَرْحُ م ر وَإِنَّمَا جَعَلَ رِبَا الْقَرْضِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ نَفْعًا لِلْمُقْرِضِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنَّهُ بَاعَ مَا أَقْرَضَهُ بِمَا يَزِيدُ عَلَيْهِ اهـ. ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ مَعَ زِيَادَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ) أَيْ وَلَوْ احْتِمَالًا وَمِنْهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا اهـ. شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ وَرِبَا الْيَدِ) إنَّمَا نُسِبَ إلَيْهَا لِعَدَمِ الْقَبْضِ بِهَا أَصَالَةً اهـ. بِرْمَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ وَرِبَا النَّسَاءِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمَدِّ أَيْ الْأَجَلِ وَأَمَّا النَّسَا بِالْقَصْرِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْمَرَضِ الْمَخْصُوصِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ عِرْقُ الْأُنْثَى وَمِمَّا جُرِّبَ لَهُ أَنْ يُؤْخَذَ الْوَزَغُ الصَّغِيرُ وَيُوضَعَ فِي غَابَةِ بُوصٍ وَيُسَدَّ فَمُهَا وَتُرْبَطَ عَلَى الْوَجَعِ فَيَبْرَأَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ النَّسِيءُ مَهْمُوزٌ عَلَى فَعِيلٍ التَّأْخِيرُ وَالنَّسِيئَةُ عَلَى فَعِيلَةٍ مِثْلُهُ وَهُمَا اسْمَانِ مِنْ نَسَأَ اللَّهُ تَعَالَى أَجَلَهُ مِنْ بَابِ نَفَعَ وَأَنْسَأَهُ بِالْأَلِفِ إذَا أَخَّرَهُ اهـ. وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ مِنْ بَابِ نَفَعَ أَنَّ مَصْدَرَهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ السِّينِ اهـ. ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْبَابِ إلَخْ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ تَبْوِيبَ الْمُصَنِّفِ لَهُ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ غَيْرِهِ لَهُ فَصْلًا كَالْمُحَرَّرِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ أَيْ بَيَانُ بَيْعِهِ أَيْ بَيَانُ مَا يَصِحُّ مِنْهُ مَعَ الْحِلِّ وَمَا يَفْسُدُ مَعَ الْحُرْمَةِ فَإِذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْآتِي بَيَانُهَا كَانَ الْعَقْدُ حَلَالًا صَحِيحًا وَإِنْ اخْتَلَّ مِنْهَا وَاحِدٌ كَانَ فَاسِدًا حَرَامًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَيْعِ غَيْرِ الرِّبَوِيِّ اهـ. شَيْخُنَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا خَمْسَةٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ فِي الصِّيغَةِ وَأَمَّا شُرُوطُ الْعَاقِدِ فَيَتَأَتَّى مِنْهَا هُنَا شَرْطَانِ وَهُمَا عَدَمُ الْإِكْرَاهِ وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ وَأَمَّا الشَّرْطَانِ الْآخَرَانِ الْمُتَعَلِّقَانِ بِالْمُشْتَرِي وَهُمَا إسْلَامُهُ وَعَدَمُ حِرَابَتِهِ فَلَا يَأْتِيَانِ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى
(قَوْلُهُ إنَّمَا يَحْرُمُ الرِّبَا) أَيْ إنَّمَا يُوجَدُ وَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا فِي نَقْدٍ إلَخْ وَإِنَّمَا وَصَفَهُ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْعُقُودَ الْفَاسِدَةَ كُلَّهَا حَرَامٌ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَزِيدِ الْإِثْمِ عَنْ بَقِيَّةِ الْعُقُودِ أَوْ الْمُرَادُ بِالرِّبَا