لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ تُبَاعُ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفْصَلَ» .
وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ اشْتِمَالِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْعَقْدِ عَلَى مَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ تَوْزِيعُ مَا فِي الْآخَرِ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا بِالْقِيمَةِ كَمَا فِي بَيْعِ شِقْصٍ مَشْفُوعٍ وَسَيْفٍ بِأَلْفٍ وَقِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةٌ وَالسَّيْفِ خَمْسُونَ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَالتَّوْزِيعُ هُنَا يُؤَدِّي إلَى الْمُفَاضَلَةِ أَوْ الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ فَفِي بَيْعِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدِّ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ لَزِمَتْ الْمُفَاضَلَةُ أَوْ مِثْلَهُ لَزِمَ الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمَيْنِ فَالْمُدُّ ثُلُثَا طَرَفِهِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثَا الْمُدَّيْنِ أَوْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَالْمُدُّ ثُلُثُ طَرَفِهِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثُ الْمُدَّيْنِ فَتَلْزَمُ الْمُفَاضَلَةُ أَوْ مِثْلَهُ فَالْمُمَاثَلَةُ مَجْهُولَةٌ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ التَّقْوِيمَ وَهُوَ تَخْمِينٌ قَدْ يُخْطِئُ وَتَعَدُّدُ الْعَقْدِ هُنَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي كَاتِّحَادِهِ بِخِلَافِ تَعَدُّدِهِ بِتَفْصِيلِ الْعَقْدِ بِأَنْ جُعِلَ فِي بَيْعِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمِثْلِهِمَا الْمُدُّ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدِّ أَوْ الدِّرْهَمِ وَالدِّرْهَمُ فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ أَوْ الْمُدِّ وَلَوْ لَمْ يَشْتَمِلْ أَحَدُ جَانِبَيْ الْعَقْدِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ كَبَيْعِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ بِصَاعِ بُرٍّ وَصَاعِ شَعِيرٍ أَوْ بِصَاعَيْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ وَبَيْعِ دِينَارٍ صَحِيحٍ وَآخَرَ مُكَسَّرٍ بِصَاعِ تَمْرٍ
ــ
[حاشية الجمل]
دِينَارٍ جَدِيدٍ بَدَلَهُ جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ قَالَ لِصَيْرَفِيٍّ اصْرِفْ لِي بِنِصْفِ هَذَا الدِّرْهَمِ فِضَّةً وَبِالنِّصْفِ الْآخَرِ فُلُوسًا جَازَ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفًا فِي مُقَابَلَةِ الْفِضَّةِ وَنِصْفًا فِي مُقَابَلَةِ الْفُلُوسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ اصْرِفْ لِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفَ فِضَّةٍ وَنِصْفَ فُلُوسٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا إذَا قَسَّطَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ احْتَمَلَ التَّفَاضُلَ وَكَانَ مِنْ صُورَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَتُكْرَهُ الْحِيلَةُ الْمُخَلِّصَةُ مِنْ صُوَرِ الرِّبَا بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ وَإِنْ خَصَّهَا بَعْضُهُمْ بِالتَّخَلُّصِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَزْنًا وَاللَّوْزِ بِاللَّوْزِ كَيْلًا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْقُشُورُ كَمَا سَيَأْتِي فِي السَّلَمِ وَبَيْعُ لُبِّ كُلٍّ بِمِثْلِهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُ مَا نُزِعَ نَوَاهُ مِنْ التَّمْرِ لِبُطْلَانِ كَمَالِهِ وَسُرْعَةِ فَسَادِهِ بِخِلَافِ لُبِّ مَا مَرَّ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ مَعَ قِشْرِهِ بِبَيْضٍ كَذَلِكَ وَزْنًا إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ فَإِنْ اخْتَلَفَ جَازَ مُتَفَاضِلًا اهـ. بِالْحَرْفِ
(قَوْلُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر لِخَبَرِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ «أَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ خَيْبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ مُعَلَّقٌ مَعَ ذَهَبٍ ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ سَبْعَةٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا حَتَّى يُمَيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَالَ فَضَالَةُ فَرَدَّهُ أَيْ الْبَيْعَ حَتَّى مَيَّزَ بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ) هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَرُوِيَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسُونَ حَدِيثًا وَرَوَى عَنْهُ تُمَامَةُ وَغَيْرُهُ الْمُتَوَفَّى بِدِمَشْقَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ. اهـ بِرْمَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ بِقِلَادَةٍ إلَخْ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عَقِيلٍ وَكِلَاهُمَا عَنْ مُسْلِمٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ تُبَاعُ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهَا كَانَتْ مُعَرَّضَةً لِلْبَيْعِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا صُورَةُ عَقْدٍ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر ابْتَاعَهَا رَجُلٌ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهَا وَقَعَ عَلَيْهَا صُورَةُ عَقْدٍ مِنْ الرَّجُلِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ م ر لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ يَكُونُ غَرَضُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانَ أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي صَدَرَ فَاسِدٌ وَأَنَّ الطَّرِيقَ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا إفْرَادُ كُلٍّ مِنْ الذَّهَبِ بِعَقْدٍ وَالْخَرَزِ بِعَقْدٍ اهـ. ع ش (قَوْله فَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذَّهَبِ) أَيْ بِنَزْعِهِ
(قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ) أَيْ بَدَلَ قَوْلِهِ فَأَمَرَ بِالذَّهَبِ إلَخْ
(قَوْلُهُ حَتَّى تُفْصَلَ) أَيْ بِالْعَقْدِ بِأَنْ يُبَاعَ هَذَا بِعَقْدٍ وَهَذَا بِعَقْدٍ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ الذَّهَبُ إلَخْ أَيْ وَإِنْ لَمْ تُفْصَلْ حِسًّا بِأَنْ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْخَرَزِ اهـ. شَيْخُنَا ح ف
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ) أَيْ لَازِمَهُ وَوَاجِبَهُ وَحَقَّهُ إلَخْ
(قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْقِيمَةِ) قَالَ الطَّبَلَاوِيُّ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى الْقِيمَةِ فِي بَابِ الرِّبَا وَإِنَّمَا نَظَرُوا إلَى مِعْيَارِ الشَّرْعِ حَتَّى يَصِحُّ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ الرَّدِيءِ بِجِنْسِهِ الْجَيِّدِ مَعَ الْمُمَاثَلَةِ إلَّا فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ فَإِنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الصِّفَةِ لِيَتَأَتَّى التَّوْزِيعُ اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ عَلَى التَّحْرِيرِ
(قَوْلُهُ يُؤَدِّي إلَى الْمُفَاضَلَةِ) أَيْ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ صُورَةً وَقَوْلُهُ أَوْ الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ أَيْ فِي تِسْعِ صُوَرٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ فِيهِ سِتُّ صُوَرٍ فِيهَا الْمُفَاضَلَةُ الْمُحَقَّقَةُ وَثَلَاثٌ فِيهَا الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي صُوَرِ النَّوْعِ وَصُوَرِ الصِّفَةِ فَمَتَى فَرَضْت الْمُدَّ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ أَزْيَدَ مِنْ الدِّرْهَمِ قِيمَةً أَوْ أَنْقَصَ كَذَلِكَ فَالْمُفَاضَلَةُ مُحَقَّقَةٌ وَفِي هَذَا سِتُّ صُوَرٍ وَمَتَى فَرَضْته مِثْلَهُ قِيمَةً فَالْمُمَاثَلَةُ مَجْهُولَةٌ لِأَنَّ هَذَا تَخْمِينٌ وَفِيهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ وَكَذَا يُقَالُ فِي صُوَرِ النَّوْعِ وَفِي صُوَرِ الصِّفَةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ صُوَرِ الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الصِّفَةِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الْمُمَاثَلَةُ فِيهَا مَجْهُولَةً كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْحَاصِلِ الْمُتَقَدِّمِ. اهـ شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ فَفِي بَيْعِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ إلَخْ) أَيْ فَبَيَانُ أَدَاءِ التَّوْزِيعِ هُنَا إلَى الْمُفَاضَلَةِ أَوْ الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي بَيْعِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ إلَخْ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا إذَا بِيعَا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ وَهَذَا كُلُّهُ فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي اخْتِلَافِ النَّوْعِ وَاخْتِلَافِ الصِّفَةِ فَهَذَا الْمِثَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ يُقَاسُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ بَقِيَّةِ صُوَرِ الْقَاعِدَةِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ بِتَفْصِيلِ الْعَقْدِ) الْأَوْلَى بِتَفْصِيلِ الْعِوَضِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ بِأَنْ جُعِلَ فِي بَيْعِ مَدٍّ وَدِرْهَمٍ إلَخْ أَيْ صَرِيحًا فَلَا تَكْفِي نِيَّةُ الْجَهْلِ الْمَذْكُورِ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ كَوْنِ نِيَّةِ التَّفْصِيلِ كَذِكْرِهِ وَأَقَرَّهُ جَمْعٌ مَحَلُّ نَظَرٍ لِمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ لَمْ تَكْفِ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ لِلِاغْتِفَارِ فِي الصِّيغَةِ مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ وَآخَرَ مُكَسَّرٍ) نَقَلَ سم عَنْ شَيْخِهِ عَمِيرَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُكَسَّرِ الْقِرَاضَةُ الَّتِي تُقْرَضُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالْفِضَّةِ اهـ. وَنَقَلَهُ ع ش وَمَا عَدَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ نِصْفَ شَرِيفِيٍّ أَوْ رُبْعَ رِيَالٍ