«لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «لَا تَلَقَّوْا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إلَى الْأَسْوَاقِ فَمَنْ تَلَقَّاهَا فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ» وَأَمَّا كَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ فَقِيَاسًا عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ احْتِمَالُ غَبْنِهِمْ سَوَاءٌ أَخْبَرَ الْمُشْتَرِيَ كَاذِبًا أَمْ لَمْ يُخْبِرْ فَإِنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ بِطَلَبِهِمْ أَوْ بِغَيْرِ طَلَبِهِمْ لَكِنْ بَعْدَ قُدُومِهِمْ أَوْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ بِالسِّعْرِ أَوْ قَبْلَهَا وَاشْتَرَاهُ بِهِ أَوْ بِأَكْثَرَ فَلَا تَحْرِيمَ لِانْتِفَاءِ التَّغْرِيرِ وَلَا خِيَارَ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى السَّابِقِ وَلَوْ لَمْ يَعْرِفُوا الْغَبْنَ حَتَّى رَخُصَ السِّعْرُ وَعَادَ إلَى مَا بَاعُوا بِهِ فَهَلْ يَسْتَمِرُّ الْخِيَارُ؟ وَجْهَانِ مَنْشَؤُهُمَا اعْتِبَارُ الِابْتِدَاءِ أَوْ الِانْتِهَاءِ وَكَلَامُ الشَّاشِيِّ يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِمْرَارِهِ وَالْأَوْجَهُ اسْتِمْرَارُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَمَالَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَالرُّكْبَانُ جَمْعُ رَاكِبٍ وَالتَّعْبِيرُ بِهِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَالْمُرَادُ الْقَادِمُ وَلَوْ وَاحِدًا أَوْ مَاشِيًا
(وَسَوْمٍ عَلَى سَوْمٍ) أَيْ سَوْمِ غَيْرِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ»
ــ
[حاشية الجمل]
الْقَادِمُ جَهْلَهُ بِالْخِيَارِ أَوْ كَوْنَهُ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ صُدِّقَ وَعُذِرَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى الْغَبْنِ وَاشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ فَكَلَّمَهُ بِالْغَبْنِ فَيَبْطُلُ خِيَارُهُ بِتَأْخِيرِ الْفَسْخِ اهـ. شَرْحَ م ر
(قَوْلُهُ إنْ عَرَفُوا الْغَبْنَ) هُوَ ضَعْفُ الرَّأْيِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَفِي الْمُخْتَارِ غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ خَدَعَهُ وَبَابُهُ ضَرَبَ وَقَدْ غُبِنَ فَهُوَ مَغْبُونٌ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ غَبِنَ الشَّيْءَ وَفِيهِ كَفَرِحَ غَبْنًا نَسِيَهُ أَوْ أَغْفَلَهُ أَوْ غَلِطَ فِيهِ فَهُوَ غَبِينَ وَمَغْبُونٌ وَغَبِنَهُ فِي الْبَيْعِ يَغْبَنُهُ غَبْنًا وَيُحَرَّكُ أَوْ بِالتَّسْكِينِ فِي الْبَيْعِ وَبِالتَّحْرِيكِ فِي الرَّأْيِ خَدَعَهُ
(قَوْلُهُ لَا تَلْقَوْا الرُّكْبَانَ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ لَا تَتَلَقَّوْهُمْ وَكَذَا يُقَالُ فِي نَظَائِرِهِ الْآتِيَةِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ
(قَوْلُهُ حَتَّى يَهْبِطَ بِهَا إلَى الْأَسْوَاقِ) فِي الْمِصْبَاحِ وَهَبَطَ ثَمَنُ السِّلْعَةِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَهُبُوطًا أَيْضًا: نَقَصَ عَنْ تَمَامِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَهَبَطْتُ مِنْ الثَّمَنِ أَيْضًا نَقَصْت وَهَبَطْت مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ انْتَقَلْت وَهَبَطْت الْوَادِيَ هُبُوطًا نَزَلْتُهُ، وَمَكَّةُ مَهْبِطُ الْوَحْيِ وِزَانُ مَسْجِدٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ إلَخْ) التَّعْلِيلُ بِهِ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ بِسِعْرِ الْبَلَدِ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُهُ اهـ. ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ) أَيْ النَّهْيِ الْمُفِيدِ لِلتَّحْرِيمِ وَالتَّخْيِيرِ احْتِمَالُ غَبْنِهِمْ أَيْ النَّاشِئِ عَنْ شِرَائِهِ بِدُونِ السِّعْرِ وَهُوَ مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ الْمُشْعِرَ ذَلِكَ إلَخْ يَقْتَضِي حُصُولَ الْإِثْمِ وَإِنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ بِسِعْرِ الْبَلَدِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ غَبْنٌ إلَّا أَنَّ احْتِمَالَ الْغَبْنِ وَالْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِدُونِ السِّعْرِ حَاصِلٌ فَكَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُ لَفْظِ احْتِمَالِ اهـ. ح ل أَيْ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْخِيَارِ عَلَى الْغَبْنِ بِالْفِعْلِ وَالْمَدَارَ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ عَلَى احْتِمَالِ الْغَبْنِ وَفِيهِ شَيْءٌ لَكِنْ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ وَلَا خِيَارَ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لِلتَّخْيِيرِ. تَأَمَّلْ وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ احْتِمَالُ غَبْنِهِمْ لَفْظَةُ احْتِمَالُ مَقْحَمَةٌ. اهـ.
وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ غَبَنِهِمْ انْتَهَتْ أَوْ فِي ق ل عَلَيْهِ قَوْلُهُ غَبْنِهِمْ أَيْ بِالْفِعْلِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَالْحُرْمَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَقَوْلُ الْمَنْهَجِ احْتِمَالُ غَبْنِهِمْ يُرَادُ بِهِ هَذَا وَلَفْظَةُ احْتِمَالٍ مُقْحَمَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ بَعْدَ قُدُومِهِمْ) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِهِمْ لِلسُّوقِ وَإِنْ غَبَنَهُمْ وَوَجْهُهُ تَقْصِيرُهُمْ حِينَئِذٍ وَمَا اخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ الْحُرْمَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَبْلَ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ مَعْرِفَةِ السِّعْرِ لَا فِيمَا قَبْلَهُ اهـ. شَرْحَ م ر وَقَوْلُهُ وَجْهُهُ تَقْصِيرِهِمْ إلَخْ فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْهُمْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ مَعْرِفَةِ السِّعْرِ حُرِّمَ وَثَبَتَ الْخِيَارُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ وَالِدُ الشَّارِحِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى قَبْلَ قُدُومِهِمْ الْبَلَدَ لَكِنْ نَقَلَ سَمِّ فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ عَنْ م ر أَنَّهُ قَرَّرَ فِي هَذِهِ مَرَّاتِ الْحُرْمَةِ وَعَدَمَ الْخِيَارِ وَقَدْ يُوَافِقُهُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ الْآتِي حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ الْخِيَارَ اهـ. وَالْأَقْرَبُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِمْ اهـ. ع ش عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ وَبَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ بِالسِّعْرِ) أَيْ وَلَوْ بِإِخْبَارِهِ إنْ صَدَّقُوهُ اهـ. شَرْحَ م ر
(قَوْلُهُ فَلَا تَحْرِيمَ) قَدْ يُقَالُ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا خِيَارَ لِانْتِفَاءِ الْغَبْنِ لِأَنَّهُ الَّذِي قَدَّمَهُ وَالْمُرَادُ انْتِفَاءُ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ هُوَ الْمَعْنَى السَّابِقُ الَّذِي عَلَّلَ بِهِ اهـ. ح ل
(قَوْلُهُ حَتَّى رَخُصَ السِّعْرُ) فِي الْمِصْبَاحِ رَخُصَ الشَّيْءُ رُخْصًا فَهُوَ رَخِيصٌ مِنْ بَابِ قَرُبَ وَهُوَ ضِدُّ الْغَلَاءِ وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَرْخَصَ اللَّهُ السِّعْرَ وَتَعْدِيَتُهُ بِالتَّضْعِيفِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ وَالرُّخْصُ مِثْلُ قُفْلٌ اسْمٌ مِنْهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَكَلَامُ الشَّاشِيِّ) هُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّاشِيُّ وُلِدَ فِي شَهْرِ مُحَرَّمٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي مَنْصُورٍ الطُّوسِيِّ الْمُتَوَفَّى يَوْمَ السَّبْتِ خَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِمِائَةٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِمْرَارِهِ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر حَيْثُ قَالَ أَوْجُهُهُمَا عَدَمُهُ كَمَا فِي زَوَالِ عَيْبِ الْمَبِيعِ وَإِنْ قِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا اهـ.
(قَوْلُهُ جَمْعُ رَاكِبٍ) وَهُوَ لُغَةً: خَاصٌّ بِرَاكِبِ الْإِبِلِ لَكِنْ الْمُرَادُ هُنَا الْأَعَمُّ اهـ. ع ش
(قَوْلُهُ وَسَوْمٍ عَلَى سَوْمٍ) بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ أَنَّهُ بِالرَّفْعِ لِفَسَادِ الْجَرِّ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ السَّوْمَ عَلَى السَّوْمِ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ التَّمْثِيلُ لِلْبَيْعِ بِالسَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا نُظِرَ إلَى هَذَا لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ كَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ إذْ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ اُتْرُكْهُ وَلَيْسَ فِيهِ بَيْعٌ بَلْ الْبَيْعُ بَعْدَهُ جَائِزٌ فَالْحَقُّ جَوَازُ الْجَرِّ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ غَايَتُهُ أَنَّهُ جَعَلَ السَّوْمَ بَيْعًا لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً لَهُ اهـ. ع ش وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ وَالسَّوْمُ عَلَى السَّوْمِ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى كَبَيْعِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ مِنْ " مَا " بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى