وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَعَدَلْت عَنْ قَوْلِهِ اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ إلَى قَوْلِي: وَقَدْ صَحَّ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُ الصِّحَّةِ لَا الِاتِّفَاقُ عَلَيْهَا فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ فَقَالَ بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِقِّ خَمْرٍ حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى نَفْيِ سَبَبِ الْفَسَادِ ثُمَّ يَتَحَالَفَانِ (فَيَحْلِفُ كُلٌّ) مِنْهُمَا (يَمِينًا) وَاحِدَةً (تَجْمَعُ نَفْيًا) لِقَوْلِ صَاحِبِهِ (وَإِثْبَاتًا) لِقَوْلِهِ فَيَقُولُ الْبَائِعُ مَثَلًا: وَاَللَّهِ مَا بِعْتُك بِكَذَا وَلَقَدْ بِعْتُك بِكَذَا، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: وَاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت بِكَذَا، وَلَقَدْ اشْتَرَيْت بِكَذَا أَمَّا حَلِفُ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ مُدَّعٍ وَأَمَّا أَنَّهُ فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ فَلِأَنَّ الدَّعْوَى وَاحِدَةٌ، وَمَنْفِيُّ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي ضِمْنِ مُثْبَتِهِ فَجَازَ التَّعَرُّضُ فِي الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَلِأَنَّهَا أَقْرَبُ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.
ــ
[حاشية الجمل]
عَلَى نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ، وَقَوْلُهُ عَلَى الْأَصْلِ أَيْ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ لِنَفْيِ دَعْوَى الْخَصْمِ
١ -
(قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَعًا أَيْ وَلَا فَسْخَ بَلْ يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ بِحَلِفِهِمَا فَيَبْقَى الْعَبْدُ وَالْجَارِيَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ إنْ قَبِلَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ، وَإِلَّا كَانَ كَمَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ هُوَ يُنْكِرُهُ فَيَبْقَى تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ إلَى رُجُوعِ الْمُشْتَرِي وَاعْتِرَافِهِ بِهِ، وَيَتَصَرَّفُ الْبَائِعُ فِيهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَالْحُكْمُ مُحَالٌ عَلَى نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمَبِيعَ هَذَا الْعَبْدُ وَالْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهُ الْأَمَةُ فَلَا تَعَارُضَ؛ إذْ كُلٌّ أَثْبَتَ عَقْدًا، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي نَفْيَ غَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَتُسَلَّمُ الْأَمَةُ لِلْمُشْتَرِي وَيُقِرُّ الْعَبْدُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ قَبَضَهُ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْبَائِعِ تُرِكَ عِنْدَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَيْ خِلَافًا لحج الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُجْعَلُ بِيَدِ الْقَاضِي، وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ مَا قَالَهُ حَجّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ أَنْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ لِغَيْرِهِ بَلْ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ لَا لَهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ هُنَا أَقَرَّ بِشِرَاءٍ لِلْغَيْرِ يَمْلِكُهُ بِمَالٍ يَلْزَمُ ذَلِكَ الْغَيْرَ لِلْبَائِعِ اهـ. ح ل (قَوْلُهُ: عَلَى نَفْيِ سَبَبِ الْفَسَادِ) أَيْ فِي الْبَعْضِ وَهُوَ مُقَابِلُ الْخَمْرِ وَإِلَّا فَالْخَمْرُ مَعَ الْخَمْسِمِائَةِ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ بَاعَ حِلًّا وَحِرْمًا صَحَّ فِي الْحِلِّ وَفَسَدَ فِي الْحِرْمِ فَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ صَحَّ أَيْ فِي الْكُلِّ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَحَالَفَانِ) مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَهِيَ أَيْضًا صَالِحَةٌ لِلدُّخُولِ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَحَالَفَانِ) وَلَا يَظْهَرُ التَّحَالُفُ بِمُجَرَّدِ حَلِفِ الْبَائِعِ عَلَى نَفْيِ الْمُفْسِدِ بَلْ يَنْبَغِي بَعْدَ حَلِفِهِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِبَيَانِ ثَمَنٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ بَيَّنَ شَيْئًا وَوَافَقَهُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا تَحَالَفَا (تَنْبِيهٌ)
شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ مَا لَوْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُهُ النَّصُّ عَلَى التَّحَالُفِ فِي الْكِتَابَةِ مَعَ جَوَازِهَا مِنْ جَانِبِ الرَّقِيقِ وَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِجِهَتَيْنِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي لَا يَتَحَالَفَانِ لِإِمْكَانِ الْفَسْخِ بِالْخِيَارِ أَجَابَ عَنْهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ التَّحَالُفَ لَمْ يُوضَعْ لِلْفَسْخِ بَلْ لِعَرْضِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُنْكِرِ رَجَاءَ أَنْ يَنْكُلَ الْكَاذِبُ فَيُقَرِّرُ الْعَقْدَ بِيَمِينِ الصَّادِقِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ ضَعِيفٌ بَلْ الْعَقْدُ بَاقٍ فَيَتَحَالَفَانِ قَالَهُ فِي الْإِيعَابِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينًا إلَخْ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينٌ تَجْمَعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَالثَّانِي يُفْرِدُ النَّفْيَ بِيَمِينٍ، وَالْإِثْبَاتَ بِأُخْرَى، وَفِي تَعْبِيرِهِ بِ يَكْفِي إشْعَارٌ بِجَوَازِ الْعُدُولِ إلَى يَمِينَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ بَلْ يَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُمَا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ فِي مُدْرَكِهِ قُوَّةً، وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ بِمَنْعِهِمَا؛ إذْ لَا مُعَوَّلَ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَتْ، وَصُورَةُ الْيَمِينَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ الْمَحَلِّيُّ بِقَوْلِهِ: وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ لِلنَّفْيِ وَيَمِينٍ لِلْإِثْبَاتِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى النَّفْيِ ثُمَّ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ ثُمَّ الْبَائِعُ عَلَى الْإِثْبَاتِ ثُمَّ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ وَالْوَسِيطِ اهـ
وَمُقْتَضَى قَوْلِ م ر بَلْ يَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُمَا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا عَدَلَ عَلَى الصَّحِيحِ إلَى يَمِينَيْنِ لِأَجْلِ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ يَكُونُ صُورَتُهُمَا مَا ذَكَرَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي كَمَا عَلِمْته مِنْ عِبَارَةِ الْمَحَلِّيِّ، وَفِي ق ل عَلَيْهِ جَوَازُ تَوَالِيهِمَا، وَقَوْلُهُ: يَبْدَأُ بِنَفْيٍ نَدْبًا أَيْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَقَوْلُهُ: بَائِعٌ نَدْبًا أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ وَفِي قَوْلٍ بِالْمُشْتَرِي، وَفِي قَوْلٍ مُتَسَاوِيَانِ فَيَتَخَيَّرُ الْحَاكِمُ فِيمَنْ يَبْدَأُ بِهِ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: يُفَرِّعُ بَيْنَهُمَا، وَالْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ لَا فِي الْوُجُوبِ اهـ مِنْ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر نَعَمْ إنَّمَا يَحْلِفُ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ فَيُنْكِرُ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ الْمَذْكُورُ مُسْتَحَبًّا اهـ شَرْحُ م ر وَلَوْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا قَضَى لِلْحَالِفِ وَلَوْ نَكَلَا جَمِيعًا وَلَوْ عَنْ النَّفْيِ فَقَطْ أَمَرَهُمَا وَكَأَنَّهُمَا تَرَكَا الْخُصُومَةَ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ كَتَحَالُفِهِمَا اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّهُ مُدَّعٍ) قَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ فِي جَانِبِهِ الْبَيِّنَةُ اهـ.
وَكَتَبَ الْحَلَبِيُّ فِيهِ أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعِي عَلَى مَا يَدَّعِيهِ خَارِجَةٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَمَنْفِيُّ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي ضِمْنِ مُثْبَتِهِ) كَأَنَّ الْمُرَادَ وَنَفْيُ مَنْفِيِّ كُلٍّ فِي ضِمْنِ إثْبَاتِ مُثْبَتِ كُلٍّ فَيَكُونُ الْمُرَادُ وَنَفْيُ كُلٍّ فِي ضِمْنِ إثْبَاتِهِ فَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ لَيْسَ مُرَادًا كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْوَارِثَ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَارِثَ فِي الْإِثْبَاتِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ وَفِي النَّفْيِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَفِي مَعْنَى الْوَارِثِ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَكِنَّهُ يَحْلِفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute