اعْتِبَارِ الْمَسْحِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْحَدَثِ حَضَرًا، وَإِنْ تَلَبَّسَ بِالْمُدَّةِ وَلَا بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ حَضَرًا، وَعِصْيَانُهُ إنَّمَا هُوَ بِالتَّأْخِيرِ لَا بِالسَّفَرِ الَّذِي بِهِ الرُّخْصَةُ.
(وَشَرْطُ) جَوَازِ مَسْحِ (الْخُفِّ لُبْسُهُ بَعْدَ طُهْرٍ) مِنْ الْحَدَثَيْنِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ فَلَوْ لَبِسَهُ قَبْلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ وَغَسَلَهُمَا فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ إلَّا أَنْ يَنْزِعَهُمَا مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ ثُمَّ يُدْخِلَهُمَا فِيهِ وَلَوْ أَدْخَلَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ غَسْلِهَا، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى فَأَدْخَلَهَا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ إلَّا أَنْ يَنْزِعَ الْأَوْلَى كَذَلِكَ، ثُمَّ يُدْخِلَهَا وَلَوْ غَسَلَهُمَا فِي سَاقِ الْخُفِّ، ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا فِي مَوْضِعِ الْقَدَمِ جَازَ الْمَسْحُ وَلَوْ ابْتَدَأَ اللُّبْسَ بَعْدَ غَسْلِهِمَا، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ وُصُولِهِمَا إلَى مَوْضِعِ الْقَدَمِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ (سَاتِرَ مَحَلِّ فَرْضٍ)
ــ
[حاشية الجمل]
صَنِيعُ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ: وَعُلِمَ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَسْحِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْحَدَثِ حَضَرًا، وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا سَفَرًا وَنَصُّ عِبَارَةِ ق ل قَوْلُهُ: فَإِنْ مَسَحَ حَضَرًا إلَخْ.
حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ الْخُفَّ حَضَرًا، ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ الْحَدَثِ، ثُمَّ أَحْدَثَ أَتَمَّ مُدَّةَ سَفَرٍ، وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ فِيهِ، وَإِنْ أَحْدَثَ قَبْلَهُ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ الْحَضَرِ وَجَبَ النَّزْعُ، وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ فِيهِ، وَإِنْ سَافَرَ قَبْلَ مُضِيِّهَا فَإِنْ مَسَحَ وَلَوْ أَحَدَ خُفَّيْهِ حَضَرًا أَتَمَّ مُدَّةَ مُقِيمٍ، وَإِلَّا أَتَمَّ مُدَّةَ سَفَرٍ، وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ فِيهِ، وَأَنَّهُ إذَا لَبِسَ الْخُفَّ فِي السَّفَرِ، ثُمَّ أَقَامَ فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ، أَوْ لَمْ يَمْضِ قَدْرُ مُدَّةِ الْحَضَرِ أَتَمَّهَا، وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ فِي السَّفَرِ، وَإِنْ أَتَمَّ بَعْدَهَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا مَضَى فِي السَّفَرِ، وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ فِيهِ أَيْضًا فَعُلِمَ أَنَّ اللُّبْسَ وَدُخُولَ وَقْتِ الصَّلَاةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَيْنِ مُطْلَقًا وَأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُدَّةِ مِنْ الْحَدَثِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ قِصَرَ الْمُدَّةِ مُقَيَّدٌ بِالْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْإِقَامَةِ مِنْ السَّفَرِ مُطْلَقًا وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ لَفْظَ " أَوْ عَكَسَ " مُضِرٌّ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ.
(تَنْبِيهٌ) : سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ كَالْحَضَرِ فَلَوْ مَسَحَ عَاصِيًا، ثُمَّ تَابَ أَتَمَّ مُدَّةَ حَضَرٍ، أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ مُقِيمٍ، ثُمَّ تَابَ وَجَبَ النَّزْعُ وَلَوْ تَخَلَّلَتْ إقَامَةٌ بَيْنَ مَسْحَيْنِ فِي سَفَرٍ كَأَنْ كَانَ مَسَحَ فِي السَّفَرِ، ثُمَّ أَقَامَ وَلَمْ يَمْسَحْ، ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُقِيمِ، ثُمَّ مَسَحَ فِيهَا فَهَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى مُدَّةِ مُقِيمٍ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ الْأَوَّلَ كَأَنَّهُ فِي الْحَضَرِ لِوُجُودِ الْإِقَامَةِ بَعْدَهُ، أَوْ يَسْتَوْفِي مُدَّةَ الْمُسَافِرِ لِوُقُوعِ الْمَسْحَيْنِ فِي السَّفَرِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ فَرَاجِعْهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْحَدَثِ حَضَرًا) فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ وَاسْتَمَرَّ بَعْدَ الْحَدَثِ يَوْمًا، ثُمَّ سَافَرَ أَتَمَّ مُدَّةَ الْمُسَافِرِ، وَعَكْسُهُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَا لَوْ أَحْدَثَ فِي السَّفَرِ وَلَمْ يَمْسَحْ وَحُكْمُهُ مَا عَلِمْته مِمَّا سَبَقَ وَقَوْلُهُ: وَلَا بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ حَضَرًا هَذَا لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْقَائِلِ إنَّهُ إذَا مَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ حَضَرًا يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ لِعِصْيَانِهِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَعِصْيَانُهُ إنَّمَا هُوَ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا قَدْ يُقَالُ: الْمَسْحُ رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الرُّخْصَةُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي أَنَّهَا لَا يَكُونُ سَبَبُهَا مَعْصِيَةً وَالسَّفَرُ هُنَا هُوَ الْمُجَوِّزُ لِلْمَسْحِ وَلَمْ يَعْصِ بِهِ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: وَشَرْطُ جَوَازِ مَسْحِ الْخُفِّ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ ذَاتَ الْخُفِّ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا شُرُوطٌ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْأَحْكَامِ اهـ ع ش عَلَى م ر وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ أَيْ الْخُفِّ شَرْطُ صِحَّةِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَتَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ بِالْجَوَازِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ: لُبْسُهُ بَعْدَ طُهْرٍ) أَيْ وَلَوْ تَيَمُّمًا وَتَقَدَّمَ تَصْوِيرُ مَسْحِهِ عَلَى الْخُفِّ الْمَلْبُوسِ عَلَى تَيَمُّمٍ مَحْضٍ لِغَيْرِ فَقْدِ الْمَاءِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَنْزِعَهُمَا مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ) فِي الْمِصْبَاحِ نَزَعْته مِنْ مَوْضِعِهِ نَزْعًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ قَلَعْتُهُ وَحَوَّلْته، وَانْتَزَعْته مِثْلُهُ وَنَزَعَ السُّلْطَانُ عَامِلَهُ عَزَلَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَنْزِعَ الْأُولَى كَذَلِكَ) فَإِنْ قُلْت هَلَّا اكْتَفَى بِاسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ كَالِابْتِدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ قُلْت إنَّمَا يَكُونُ كَالِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ الِابْتِدَاءُ صَحِيحًا وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ اهـ ز ي.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَلَمْ يَجْعَلُوا الِاسْتِدَامَةَ هُنَا لُبْسًا كَمَا فِي الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ كَذَا قَالُوا وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْأَيْمَانِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى لُبْسًا هُنَا أَيْضًا، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ هُنَا لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ كَوْنُ ابْتِدَائِهِ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ) وَفَارَقَ عَدَمَ بُطْلَانِ الْمَسْحِ فِيمَا إذَا أَزَالَهُمَا مِنْ مَقَرِّهِمَا إلَى سَاقِ الْخُفِّ وَلَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَوَازِ الْمَسْحِ فَلَا يُبَاحُ إلَّا بِاللُّبْسِ التَّامِّ، وَإِذَا مَسَحَ فَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُ الْجَوَازِ فَلَا يَبْطُلُ إلَّا بِالنَّزْعِ التَّامِّ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْخُفُّ طَوِيلًا خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ فَأَخْرَجَ رِجْلَهُ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ الْخُفُّ مُعْتَادًا لَظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ بَطَلَ مَسْحُهُ بِلَا خِلَافٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: سَاتِرَ مَحَلِّ فَرْضٍ) الْمُرَادُ بِالسَّاتِرِ الْحَائِلُ لَا مَا يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ فَيَكْفِي الشَّفَّافُ عَكْسُ سَائِرِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا مَنْعُ نُفُوذِ الْمَاءِ وَثَمَّ مَنْعُ الرُّؤْيَةِ اهـ مِنْ خَطِّ ابْنِ شَرَفٍ وَسَيَأْتِي أَنَّ قَوْلَهُ سَاتِرَ مَحَلِّ إلَخْ أَحْوَالٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ شُرُوطٌ لِلْمَسْحِ لَا لِلُّبْسِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا أَحْوَالٌ مُقَارِنَةٌ - فِيمَا عَدَا الثَّانِيَ - وَأَعَمُّ مِنْ الْمُقَارِنَةِ، وَالْمُنْتَظِرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَبِسَهُ نَجَسًا، أَوْ مُتَنَجِّسًا ثُمَّ طَهَّرَهُ قَبْلَ الْحَدَثِ، أَوْ بَعْدَهُ جَازَا، وَغَيْرُ