يُسْتَوْفَى مِنْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَائِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ فَارْهَنُوا وَاقْبِضُوا؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ جُعِلَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ بِالْفَاءِ فَجَرَى مَجْرَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ أَبُو الشَّحْمِ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ» وَالْوَثَائِقُ بِالْحُقُوقِ ثَلَاثَةٌ شَهَادَةٌ وَرَهْنٌ وَضَمَانٌ كَمَا مَرَّ
ــ
[حاشية الجمل]
الْمَرْهُونِ بِهِ وَقَوْلُهُ وَثِيقَةٌ بِدَيْنٍ أَيْ وَلَوْ مَنْفَعَةً بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ فَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مَنْفَعَةً اهـ. شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ: يُسْتَوْفَى مِنْهَا إلَخْ) لَيْسَ مِنْ التَّعْرِيفِ بَلْ بَيَانٌ لِغَايَتِهِ وَقِيلَ إنَّهُ مِنْهُ لِإِخْرَاجِ مَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ كَالْمَوْقُوفِ وَمِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا لِلِابْتِدَاءِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَقَوْلُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَائِهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: قَالَ الْقَاضِي) أَيْ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ عَلَى مَا هُوَ الْقَاعِدَةُ مِنْ انْصِرَافِ هَذَا الِاسْمِ إلَيْهِ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْبَيْضَاوِيَّ كَمَا يُوهِمُهُ سِيَاقُ تَفْسِيرِ الْآيَةِ
وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَشَرْعًا يُطْلَقُ عَلَى الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، وَمِنْهُ آيَةُ فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَقَوْلُ الْقَاضِي إنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى ارْهَنُوا وَاقْبِضُوا بَعِيدٌ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ وَيُعْرَفُ بِأَنَّهُ جَعْلُ عَيْنٍ إلَخْ اهـ وَقَوْلُهُ مَعْنَاهُ إلَخْ غَرَضُهُ بِهَذَا تَصْحِيحُ كَوْنِهِ جُزْءًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا جُمْلَةً وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْمَطْلُوبَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ بِمَعْنَى الْأَمْرِ بَلْ يُمْكِنُ جَعْلُهُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً كَمَا فَعَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ اهـ. شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ رَهْنًا هُنَا لَيْسَ مَصْدَرًا بَلْ هُوَ جَمْعُ رَهْنٍ بِمَعْنَى مَرْهُونٍ بِدَلِيلِ وَصْفِهِ بِمَقْبُوضَةٍ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ هُوَ كَمَا نَظَرَ بِهِ مِنْ الْآيَةِ، وَقَدْ يُجَابُ بِصِحَّةِ كَوْنِهِ جَمْعَ رَهْنٍ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ وَلَا يُنَافِيهِ مَقْبُوضَةٌ؛ لِأَنَّ وَزْنَ مَفْعُولٍ يَأْتِي مَصْدَرًا أَيْضًا اهـ. إيعَابٌ اهـ. شَوْبَرِيٌّ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ إلَخْ إنْ قُلْت إذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِمَقْبُوضَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ مَقْبُوضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْأَعْيَانِ إلَّا أَنْ يُقَالَ وَصْفُهُ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مُتَعَلِّقُهُ الْعَيْنُ أَوْ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ بِمَعْنَى إنَّا جَعَلْنَا الرَّهْنَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَأَعَدْنَا الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِي مَقْبُوضَةٍ عَلَيْهِ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْأَعْيَانُ هَذَا كُلُّهُ جَارٍ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَأَمَّا إذَا جَعَلْنَاهُ بِمَعْنَى الْأَعْيَانِ فَلَا إشْكَالَ اهـ. عَبْدُ رَبِّهِ
(قَوْلُهُ رَهَنَ دِرْعَهُ) وَافْتَكَّهُ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَقِيلَ عَلِيٌّ وَقِيلَ غَيْرُهُمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَكَوْنُهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الْيَهُودِيِّ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِ عَلَى الرَّهْنِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْمُبَادَرَةِ لِأَخْذِهِ بَعْدَ فَكِّهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقَالَ ع ش الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَاتَ وَلَمْ يَفْتَكَّهُ اهـ. وَكَذَا فِي شَرْحِ م ر (قَوْلُهُ: قَوْله عَلَى ثَلَاثِينَ) أَيْ عَلَى ثَمَنِ ثَلَاثِينَ وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ فَتْحِ الْبَارِي اهـ. ع ش ثُمَّ قِيلَ إنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَالْخَبَرُ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ تَنْزِيهًا لَهُمْ وَقِيلَ عَلَى مَنْ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً اهـ. وَأَثَرَهُ دُونَ مَيَاسِيرِ أَصْحَابِهِ لِيَسْلَمَ مِنْ نَوْعِ مِنَّةٍ أَوْ تَكْلِيفِ مَيَاسِيرِ أَصْحَابِهِ بِإِبْرَائِهِ أَوْ عَدَمِ أَخْذِ الرَّهْنِ مِنْهُ أَوْ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ جَوَازَ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ السُّبْكِيُّ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَارِجٌ مِنْ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَيْسَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِرَبِّهِ وَإِنَّمَا أَخَذَ الشَّعِيرَ لِأَهْلِهِ وَهُوَ مُتَصَرِّفٌ عَلَيْهِمْ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِهِ بَلْ بِهِمْ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا اسْتَدَانَ لِمَصَالِحِهِمْ كَانَ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا فِي مَا اسْتَدَانَهُ لِلْجِهَاتِ الْعَامَّةِ دُونَ مَا اسْتَدَانَهُ لِأَهْلِهِ فَإِنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُمْ وَالْوَكِيلُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُهْدَةُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَهُوَ يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْوِلَايَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ اهـ. شَرْحُ الْبَهْجَةِ مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ لَكِنْ قَوْلُهُ: أَخَذَ الشَّعِيرَ لِأَهْلِهِ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَهُمْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَنَّهَا تَجِبُ وَلَكِنْ اقْتَرَضَ الشَّعِيرَ بِمَا زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ نَفَقَتَهُمْ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ اهـ. ز ي.
وَعِبَارَةُ الْخَطِيبِ مَحْبُوسَةٌ فِي الْقَبْرِ غَيْرُ مُنْبَسِطَةٍ مَعَ الْأَرْوَاحِ فِي عَالَمِ الْبَرْزَخِ وَفِي الْآخِرَةِ مُعَوَّقَةٌ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ اهـ.
وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ الْبَرْزَخُ الْمُدَّةُ الَّتِي بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْبَعْثِ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ الْبَرْزَخُ الْحَاجِرُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَهُوَ أَيْضًا مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ إلَى الْبَعْثِ فَمَنْ مَاتَ فَقَدْ دَخَلَ الْبَرْزَخَ (قَوْلُهُ بِالْحُقُوقِ) أَيْ بِحَبْسِ الْحُقُوقِ أَوْ بِمَجْمُوعِ الْحُقُوقِ؛ إذْ مِنْهَا مَا تَدْخُلُهُ الثَّلَاثَةُ كَالْبَيْعِ، وَمِنْهَا مَا تَدْخُلُهُ الشَّهَادَةُ فَقَطْ وَهُوَ الْمُسَاقَاةُ وَنُجُومُ الْكِتَابَةِ، وَمِنْهَا مَا تَدْخُلُهُ الشَّهَادَةُ وَالْكَفَالَةُ دُونَ الرَّهْنِ وَهُوَ الْجَعَالَةُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، وَمِنْهَا مَا تَدْخُلُهُ الْكَفَالَةُ فَقَطْ كَضَمَانِ الدَّرْكِ اهـ. ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute