وَإِنْ انْتَقَلَتْ إلَى الْوَارِثِ مَعَ وُجُودِ الدَّيْنِ كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ لِلْمَيِّتِ وَأَقْرَبُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَيَسْتَوِي فِي حُكْمِ التَّصَرُّفِ الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا غَيْرِ إعْتَاقِهِ وَإِيلَادِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا كَالْمَرْهُونِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْوَارِثُ الدَّيْنَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْحُقُوقِ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ نَعَمْ لَوْ أَدَّى بَعْضُ الْوَرَثَةِ مِنْ الدَّيْنِ بِقِسْطِ مَا وَرِثَ انْفَكَّ نَصِيبُهُ كَمَا فِي تَعَدُّدِ الرَّاهِنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَ الْمُوَرِّثُ عَيْنًا ثُمَّ مَاتَ فَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّهْنَ الْوَضْعِيَّ أَقْوَى مِنْ الشَّرْعِيِّ.
(، وَلَا يَمْنَعُ) تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِهَا (إرْثًا)
ــ
[حاشية الجمل]
الْوَارِثِ أَدَاؤُهُ بِكَمَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِلْوَارِثِ إمْسَاكُهَا إلَخْ بِخِلَافِ الرَّهْنِ الْجَعْلِيِّ يَجِبُ فِيهِ دَفْعُ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُوفِ الرَّهْنُ بِهِ وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا فِي أَنَّ الْوَارِثَ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّاهِنِ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي التَّرِكَةِ لِغَيْرِ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ الْجَعْلِيِّ يَصِحُّ فِيهِ تَصَرُّفُ الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ لَا لِغَرَضِ الْوَفَاءِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ انْتَقَلَتْ إلَى الْوَارِثِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ (قَوْلُهُ كَمَا يَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ، وَلَا يَمْنَعُ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِهَا إرْثًا
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنَ التَّعَلُّقِ كَتَعَلُّقِ الْمَرْهُونِ أَحْوَطُ إلَخْ، وَإِنَّمَا كَانَ أَحْوَطَ وَأَقْرَبَ لِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا يَمْتَنِعُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِيهَا جَزْمًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْنَا بِالضَّعِيفِ، وَهُوَ أَنَّ تَعَلُّقَهُ بِهَا كَتَعَلُّقِ دَيْنِ الْجِنَايَةِ بِالْجَانِي فَإِنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْجَانِي فَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ يَصِحُّ لِلْوَارِثِ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ قَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْرِصُ عَلَى وَفَائِهِ فَتَبْقَى ذِمَّةُ الْمَيِّتِ مَرْهُونَةً وَمَشْغُولَةً اهـ. مِنْ شَرْحِ الرَّمْلِيِّ بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ
(قَوْلُهُ وَيَسْتَوِي فِي حُكْمِ التَّصَرُّفِ) كَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ فِي حُكْمِ التَّعَلُّقِ أَوْ يُؤَخِّرُ هَذِهِ عَنْ قَوْلِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فِي التَّصَرُّفِ أَمْ لَا، وَهَذَا إذَا تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ أَمَّا إذَا تَصَرَّفَ لِغَرَضِ الْمَيِّتِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَصِحُّ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ، وَلَا يَصِحُّ بِدُونِ إذْنِهِمْ وَمَحَلُّ الصِّحَّةِ إذَا أَذِنَ الْجَمِيعُ فَلَا يَكْفِي إذْنُ بَعْضِهِمْ إلَّا إنْ كَانَ الْبَعْضُ الْآخَرُ غَائِبًا وَأَذِنَ عَنْهُ الْحَاكِمُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ قَبْلَ دَفْعِهِ لِلدَّائِنِ رَهْنًا رِعَايَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ اهـ. حَجّ وَعِ ش عَلَى م ر بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ.
ثُمَّ قَالَ حَجّ وَلِتِلْكَ الرِّعَايَةِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِمَنْعِ الْقِسْمَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ شَائِعَةً مَعَ حِصَّةِ شَرِيكِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ رَضِيَ الدَّائِنُ قَالَ لِمَا فِي الْقِسْمَةِ مِنْ التَّبْعِيضِ وَقِلَّةِ الرَّغْبَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِمَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بَيْعًا وَبِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهَا الرَّغْبَةُ فِي اشْتِرَاءِ مَا يَتَمَيَّزُ أَيْ فَحِينَئِذٍ تَجُوزُ الْقِسْمَةُ لَكِنْ بِرِضَى الدَّائِنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا يَصِحّ إيجَارُ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ أَذِنَ الْغُرَمَاءُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمَيِّتِ بِبَقَاءِ رَهْنِ نَفْسِهِ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ اهـ. وَأَقُولُ هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ مُقَسَّطَةً عَلَى الشُّهُورِ مَثَلًا أَوْ مُؤَجَّلَةً إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ أَمَّا لَوْ أَجَرَهُ بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ وَقَبَضَهَا وَدَفَعَهَا لِرَبِّ الدَّيْنِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ الْحَالَّةَ تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَتَبْرَأُ بِدَفْعِهَا لِلدَّائِنِ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ لَا يُقَالُ: يُحْتَمَلُ تَلَفُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَالْأُمُورُ الْمُسْتَقْبَلَةُ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَجُوزُ جَعْلُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ مَنْفَعَةَ عَقَارٍ، وَإِنْ كَانَ السَّلَمُ حَالًّا فَتُقْبَضُ بِقَبْضِ مَحَلِّهَا، وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ التَّلَفِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَتَصَرَّفَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ اهـ. ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا) أَيْ عِنْدَ الْإِيلَادِ وَالْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ وَلَا يَضُرُّ عُرُوضُ الْإِعْسَارِ، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ ضَرَرُ رَبِّ الدَّيْنِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ كَالْمَرْهُونِ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ أَيْ قَوْلُهُ وَيَسْتَوِي إلَخْ، وَقَوْلُهُ فَلَا يَنْفُذُ إلَخْ وَقَوْلُهُ غَيْرِ إعْتَاقِهِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ سَوَاءً أَعَلِمَ الْوَارِثُ إلَخْ رَاجِعٌ أَيْضًا لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَقَوْلُهُ نَعَمْ إلَخْ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ لَا مَحَلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ الْجَعْلِيَّ يَنْفَكُّ فِيهِ بَعْضُ الْمَرْهُونِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ إذَا تَعَدَّدَ الرَّاهِنُ فَالشَّرْعِيُّ وَالْجَعْلِيُّ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَ الْمُوَرِّثُ إلَخْ رَهْنًا جَعْلِيًّا، وَقَوْلُهُ فَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنْهَا أَيْ عَنْ الْجَعْلِيِّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمُوَرِّثُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ) أَيْ التَّصَرُّفُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِالْحُقُوقِ أَيْ الدُّيُونِ وَتَعَلُّقُهُ بِهَا عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيتِ لَهَا لَوْ صَحَّ (قَوْلُهُ فَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ) أَيْ كَمَا فِي الْمُوَرِّثِ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ صَدَرَ ابْتِدَاءً مِنْ وَاحِدٍ وَقَضِيَّتُهُ حَبْسُ كُلِّ الْمَرْهُونِ إلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ الدَّيْنِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ ابْنَيْنِ فَوَفَّى الرَّاهِنُ لِأَحَدِهِمَا نِصْفَ الدَّيْنِ لَمْ يَنْفَكَّ نَصِيبُهُ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَأَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الرِّفْعَةِ حَيْثُ بَحَثَ أَنَّهُ يَنْفَكُّ اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَمْنَعُ إرْثًا) أَيْ فَيَمْلِكُهَا الْوَارِثُ قَالَ حَجّ وَقَضِيَّةُ كَوْنِهَا مِلْكَهُ إجْبَارُهُ عَلَى وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَفِ بِالدَّيْنِ لِيُوفِيَ مَا يَثْبُتُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ؛ وَلِأَنَّ الرَّاهِنَ يُجْبَرُ عَلَى الْوَفَاءِ مِنْ رَهْنٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فَإِنْ امْتَنَعَ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ اهـ. ع ش عَلَى م ر وَمَحَلُّ هَذَا فِي دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ أَمَّا دَيْنُ الْوَارِثِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْهُ مَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ مِنْهُ لَوْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute