غَرِمَ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ مُؤْنَةَ حَفْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ الطَّمُّ
ــ
[حاشية الجمل]
إلَى أَمْثَالِ الْأَجْسَادِ لَا إلَى نَفْسِ الْأَجْسَادِ وَقَوْلُهُ: مِنْهُ خُلِقَ يَعْنِي أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ يُخْلَقُ مِنْ الْآدَمِيِّ، وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ سَلْمَانَ «إنَّ أَوَّلَ مَا خُلِقَ مِنْ آدَمَ رَأْسُهُ» ؛ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ هَذَا فِي حَقِّ آدَمَ وَذَلِكَ فِي حَقِّ بَنِيهِ أَوْ الْمُرَادُ بِقَوْلِ سَلْمَانَ نَفْخُ الرُّوحِ فِي آدَمَ لَا خَلْقُ جَسَدِهِ قَالَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قُبَيْلَ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: غَرِمَ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ مُؤْنَةَ حَفْرِهِ) ظَاهِرٌ سَوَاءٌ حَفَرَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحْفِرُ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حَفَرَ لَهُ مُتَبَرِّعٌ بِقَصْدِهِ وَالْمُرَادُ بِالْمُؤْنَةِ مَا يُقَابِلُ الْحَفْرَ عَادَةً لَا مَا صَرَفَهُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْحَفْرِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: غَرِمَ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ مُؤْنَةَ حَفْرِهِ) هَذَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا لَوْ بَادَرَ الْمُعِيرُ إلَى زِرَاعَةِ الْأَرْضِ بَعْدَ حِرَاثَةِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَايَةُ مَا يُقَالُ مَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ فِيهَا أَمْرَانِ مَفْقُودَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِرَاثَةِ أَحَدُهُمَا شَبَهُهَا بِالْعُقُودِ اللَّازِمَةِ مِنْ حَيْثُ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْمُوَارَاةِ بِخِلَافِ الْحِرَاثَةِ فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ فِيهَا جَائِرَةٌ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا فَكَانَ التَّعَلُّقُ فِي تِلْكَ أَقْوَى. الثَّانِي أَنَّ النَّفْعَ لَمَّا كَانَ عَائِدًا عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَهُ احْتِرَامٌ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ كُلْفَةَ الْحَفْرِ مَنْعًا لَهُ مِنْ الرُّجُوعِ صَوْنًا لِحَقِّ الْمَيِّتِ اهـ.
وَأَقُولُ يُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ الزِّرَاعَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْحِرَاثَةَ لِإِمْكَانِهَا بِدُونِهَا فِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْإِذْنُ فِي الزِّرَاعَةِ تَوْرِيطًا لَهُ فِي الْحِرَاثَةِ بِخِلَافِ الدَّفْنِ ثُمَّ رَأَيْتهمْ فَرَّقُوا بِهِ فَقَالُوا إنَّ الدَّفْنَ لَا يُمْكِنُ بِدُونِ حَفْرٍ فَبِالْإِذْنِ فِي الدَّفْنِ قَدْ وَرَّطَهُ فِي الْحَفْرِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ يُمْكِنُ بِدُونِ الْحَرْثِ اهـ. وَقَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ الزَّرْعُ إلَّا بِالْحَرْثِ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْأُجْرَةَ لِلْمُسْتَعِيرِ إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْحَرْثِ، وَقَبْلَ الزَّرْعِ وَاعْتَمَدَ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ م ر وَجَزَمَ بِهِ مُتَكَرِّرًا قَالَ وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْقَبْرِ أَنْ يَكُونَ الْحَافِرُ الْوَارِثَ فَلَوْ كَانَ الْحَافِرُ الْمَيِّتَ بِأَنْ اسْتَعَارَ الْأَرْضَ لِيَحْفِرَ لَهُ فِيهَا قَبْرًا فَحَفَرَهُ ثُمَّ مَاتَ فَرَجَعَ الْمُعِيرُ لَمْ يَغْرَمْ أُجْرَةَ الْحَفْرِ، وَأَظُنُّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا حَفَرَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَلْيُرَاجَعْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْإِعَارَةِ لِلدَّفْنِ لَهَا تَفَارِيعُ كَثِيرَةٌ مُهِمَّةٌ أَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي الْخَادِمِ يَتَعَيَّنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا، وَقَرَّرَهَا م ر فِي دَرْسِهِ، وَمَشَى عَلَى أَشْيَاءَ فِيهَا، وَأَنَا أَذْكُرُهَا هَاهُنَا بِحَسَبِ مَا مَشَى عَلَيْهِ م ر فِي دَرْسِهِ عَلَى مَا ضُبِطَتْ عَنْهُ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ تَارَةً تَكُونُ مَمْلُوكَةً وَتَارَةً تَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَى مُعَيَّنٍ وَتَارَةً عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى مُعَيَّنٍ امْتَنَعَ إعَارَتُهَا لِلدَّفْنِ كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر؛ لِأَنَّ الْحَقَّ بَعْدَهُ يَنْتَقِلُ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ يَبْقَى الْمَيِّتُ إلَى دُخُولِ اسْتِحْقَاقِ الْبَطْنِ الثَّانِي فَيُعَطِّلُ الْمَنْفَعَةَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ بَسَطَ التَّعْلِيلَ فِي الْخَادِمِ فَرَاجِعْهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ لَمْ تُتَصَوَّرُ الْإِعَارَةُ مِنْهُمْ وَامْتَنَعَتْ مِنْ النَّاظِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ بَسَطَ التَّعْلِيلَ فِي الْخَادِمِ، وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً جَازَتْ الْإِعَارَةُ وَفِيهِ فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْعَارِيَّةِ بَيَانُ كَوْنِ الْمَيِّتِ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى شَهِيدًا أَوْ غَيْرَ شَهِيدٍ فَإِنَّ الْحَقَّ فِي الشَّهِيدِ يَتَأَبَّدُ لِأَنَّهُ لَا يَبْلَى اعْتَمَدَ م ر أَنَّهُ إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى التَّخْصِيصِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِهِ اُتُّبِعَتْ الْقَرِينَةُ أَوْ الْعَادَةُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ التَّعْيِينُ، وَإِلَّا اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ لِتَفَاوُتِ الْحَالِ وَالْأَغْرَاضِ ثُمَّ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَيُحْمَلُ عَلَى تَنَاوُلِ جَمِيعِ ذَلِكَ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَيَتَقَيَّدَ بِالْمُعْتَادِ كَمَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِزَرْعٍ، وَأَطْلَقَ أَوْ عَمَّمَ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمُعْتَادِ.
الثَّانِي إذَا اسْتَعَارَ الْأَرْضَ لِلدَّفْنِ هَلْ لَهُ دَفْنُ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِيهَا اعْتَمَدَ م ر أَنَّهُ يُنْظَرُ لِلْقَرِينَةِ وَالْعَادَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى دَفْنِ الْمُسْلِمِ فِيهَا كَأَنْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ مُسْلِمًا أَوْ جَرَتْ عَادَتُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَدْفِنُ الْمُسْلِمِينَ تَقَيَّدَتْ بِالْمُسْلِمِ، وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى دَفْنِ الْكَافِرِ كَأَنْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ كَافِرًا أَوْ عَادَتُهُ دَفْنَ الْكَافِرِ جَازَ دَفْنُ الْكَافِرِ فَلَوْ لَمْ تُوجَدْ الْقَرِينَةُ تَنَاوَلَ النَّوْعَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْقَرِينَةِ عَلَى التَّخْصِيصِ بِالْمُسْلِمِ مَا لَوْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ بِدَفْنِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَدْ يَتَّجِهُ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ التَّقْيِيدُ بِالْمُعْتَادِ كَمَسْأَلَةِ الزِّرَاعَةِ.
الثَّالِثُ لَوْ كَانَ الْمَدْفُونُ صَالِحًا هَلْ يَجُوزُ تَرَدُّدُ الْمُسْتَعِيرِ وَغَيْرِهِ لِزِيَارَتِهِ وَالتَّبَرُّكِ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعِيرِ، وَهَلْ يَجُوزُ دُخُولُ الْمَكَانِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعِيرِ لِزِيَارَةِ الْمَيِّتِ وَالِاجْتِمَاعِ فِي لَيَالِي الْجُمَعِ وَجَعْلِ الْأَطْعِمَةِ هُنَاكَ، وَمَدِّ الْبِسَاطِ لِلْمُجْتَمَعِينَ؟ . مَشَى م ر عَلَى اتِّبَاعِ الْقَرَائِنِ وَالْعَادَةِ فِي ذَلِكَ. الرَّابِعُ لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْقَبْرِ سَيْلٌ أَوْ سَبُعٌ رُدَّ إلَيْهِ نَعَمْ إنْ نَقَلَهُ إلَى مَكَان صَالِحٍ لِلدَّفْنِ فِيهِ، وَفِي إعَادَتِهِ إلَى الْأَوَّلِ تَأْخِيرٌ لِلدَّفْنِ انْقَطَعَ حَقُّهُ وَدُفِنَ فِيمَا وَصَلَ إلَيْهِ اهـ. م ر وَهَلْ مُؤْنَةُ رَدِّهِ عَلَى الْوَارِثِ أَوْ غَيْرِهِ اعْتَمَدَ م ر أَنَّهُ إنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ لَمْ تُقْسَمْ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ فِيهَا، وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute