(مُسْكِرٌ مَائِعٌ) كَخَمْرٍ وَخَرَجَ بِالْمَائِعِ غَيْرُهُ كَبَنْجٍ وَحَشِيشٍ مُسْكِرٍ فَلَيْسَ بِنَجِسٍ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرُهُ حَرَامًا وَلَا تَرِدُ الْخَمْرَةُ الْمَعْقُودَةُ وَلَا الْحَشِيشُ الْمُذَابُ نَظَرًا لِأَصْلِهِمَا
ــ
[حاشية الجمل]
التَّبَرُّكِ فِي الْأَوَّلِ وَلِاسْتِهْلَالِهِ فِي الثَّانِي وَقَوْلُهُ وَسَائِرُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ أَيْ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ ضَرَّهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَطْعِمَةِ وَعِبَارَتُهُ ثَمَّ وَلَا يَحْرُمُ مِنْ الطَّاهِرِ إلَّا نَحْوُ تُرَابٍ وَحَجَرٍ، وَمِنْهُ مَدَرٌ وَطَفْلٌ لِمَنْ يَضُرُّهُ وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ إطْلَاقُ جَمِيعِ حُرْمَتِهِ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
١ -
(قَوْلُهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ) إنْ قُلْت هَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النَّجَاسَةِ وَإِدْخَالُ الْحُكْمِ فِي التَّعْرِيفِ يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ تَصَوُّرَ النَّجَاسَةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ أَعْنِي كَوْنَهُ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْءٌ مِنْ تَعْرِيفِهَا، وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ رَسْمٌ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ قَالَ وَبِالْحَدِّ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ مَا قَابَلَ الْعَدَّ فَيَشْمَلُ الرَّسْمَ اهـ.
(قَوْلُهُ مُسْكِرٌ) أَيْ صَالِحٌ لِلْإِسْكَارِ، وَلَوْ بِانْضِمَامِهِ لِغَيْرِهِ فَدَخَلَتْ الْقَطْرَةُ مِنْ الْمُسْكِرِ أَوْ يُقَالُ مُسْكِرٌ أَيْ، وَلَوْ بِاعْتِبَارِ نَوْعِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ كَخَمْرٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَلْحَقْهَا التَّاءُ يُقَالُ شَرِبْت الْخَمْرَ بِغَيْرِ تَاءٍ وَشَرِبْت الْخَمْرَةَ بِالتَّاءِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُخَامِرُ الْعَقْلَ أَيْ تُخَالِطُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهَا تُخَمِّرُهُ وَتَسْتُرُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى أَدْرَكَتْ وَاخْتَمَرَتْ وَالْمُرَادُ بِهَا حَقِيقَتُهَا وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ، وَإِنْ كَانَتْ بِبَاطِنِ حَبَّاتِ الْعُنْقُودِ كَأَنْ تَخَمَّرَتْ فِيهِ أَوْ مُحْتَرَمَةً بِأَنْ عُصِرَتْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَلَوْ مُثَلَّثَةً وَهِيَ الَّتِي أُغْلِيَتْ عَلَى النَّارِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ طَهَّرَتْهَا النَّارُ وَأُلْحِقَ بِهَا غَيْرُهَا مِنْ سَائِرِ الْمُسْكِرَاتِ قِيَاسًا عَلَيْهَا لِوُجُودِ الْإِسْكَارِ الْمُسَبِّبِ عَنْ ذَلِكَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ عَطْفُهُ عَلَى الْخَمْرِ مَا لَيْسَ نَجِسًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ النَّجَسَ فِي مَعْنَيَيْهِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، إذْ الثَّلَاثَةُ الْمَقْرُونَةُ مَعَهَا مُعَارَضَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَتْ هِيَ وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ كَخَمْرٍ لِلتَّمْثِيلِ فَيَدْخُلُ النَّبِيذُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ كَبَنْجٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهُوَ أَصْلُ الشَّيْءِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ وَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبَنْجَ وَالْحَشِيشَ مُخَدِّرَانِ لَا مُسْكِرَانِ فَهُمَا خَارِجَانِ بِقَيْدِ الْإِسْكَارِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي إخْرَاجِهِمَا إلَى زِيَادَةِ مَائِعٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الْبَنْجَ وَالْحَشِيشَ مُسْكِرَانِ اهـ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ فَتَعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ مُسْكِرَيْنِ بَدَلَ قَوْله مُسْكِرٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ الضَّمِيرُ يَرْجِعُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اهـ لِكَاتِبِهِ، وَمِنْ الْبَنْجِ الْأَفْيُونُ وَجَوْزَةُ الطِّيبِ وَكَثِيرُ الْعَنْبَرِ وَالزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ تَكْدِيرٌ وَتَغْطِيَةٌ لِلْعَقْلِ، وَإِنْ حَرُمَ تَنَاوُلُهُ لِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا اللَّقَانِيُّ، وَمِنْهُ شُرْبُ الدُّخَانِ الْمَعْرُوفِ الْآنَ قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَلِي بِهِ أُسْوَةٌ فَقَدْ قِيلَ أَنَّهُ يَفْتَحُ مَجَارِي الْبَدَنِ وَيُهَيِّئُهَا لِقَبُولِ الْمَوَادِّ الْمُضِرَّةِ وَيَنْشَأُ عَنْهُ التَّرَهُّلُ وَالتَّنَافِيسُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى الْعَمَى كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ دَوَرَانُ الرَّأْسِ وَضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ ضَرَرِ الْمَكْمُورِ الَّذِي حَرَّمَ الزَّرْكَشِيُّ أَكْلَهُ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ شُرْبُهُ حَلَالٌ وَحُرْمَتُهُ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِأَمْرٍ طَارِئٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا س ل لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا الشبراملسي اهـ بِرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ، وَمِنْ الْبَنْجِ الْأَفْيُونُ إلَخْ لَعَلَّ هَذَا تَحْرِيفٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَحَقُّ الْعِبَارَةِ وَكَالْبَنْجِ الْأَفْيُونُ إلَخْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَنْجَ حَقِيقَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَمُغَايِرَةٌ لِلْمَذْكُورَاتِ فَفِي الْمِصْبَاحِ الْبَنْجُ مِثَالٌ فَلْسٍ نَبَاتٌ لَهُ حَبٌّ يَخْلِطُ الْعَقْلَ وَيُوَرِّثُ الْخَبَالَ وَرُبَّمَا أَسْكَرَ إذَا شَرِبَهُ الْإِنْسَانُ بَعْدَ ذَوْبِهِ وَيُقَالُ إنَّهُ يُوَرِّثُ النِّسْيَانَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا الْحَشِيشُ الْمُذَابُ) أَيْ لَكِنْ لَوْ صَارَ فِي مُذَابِهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ وَصَارَ مُسْكِرًا حَرُمَ وَصَارَ نَجِسًا بَحَثَهُ الطَّبَلَاوِيُّ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَالْبُوظَةُ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ أَوْ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ نَجِسَةٌ خِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ الْخَطِيبِ. وَأَمَّا الْكِشْكُ فَظَاهِرٌ مَا لَمْ تَصِرْ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ أَيْضًا وَإِلَّا فَهُوَ نَجِسٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ نَظَرًا لِأَصْلِهِمَا) لَوْ صَارَ فِي الْحَشِيشِ الْمُذَابِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٍ اُتُّجِهَ النَّجَاسَةُ كَالْمُسْكِرِ الْمَائِعِ الْمُتَّخَذِ مِنْ خُبْزٍ وَنَحْوِهِ وِفَاقًا لِشَيْخِنَا الطَّبَلَاوِيِّ وَخَالَفَ م ر، ثُمَّ جَزَمَ بِالْمُوَافَقَةِ اهـ سم وَفِي الْإِيعَابِ لَوْ انْتَفَتْ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ عَنْ الْخَمْرِ لِجُمُودِهَا وَوُجِدَتْ فِي الْحَشِيشَةِ لِذَوْبِهَا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ بَقَاءُ الْخَمْرِ عَلَى نَجَاسَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ إلَّا بِالتَّخَلُّلِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَنَجَاسَةُ نَحْوِ الْحَشِيشَةِ إذْ غَايَتُهَا أَنَّهَا صَارَتْ كَالْخَبَرِ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ أَيْضًا نَظَرًا لِأَصْلِهِمَا) أَيْ فَمَا كَانَ مَائِعًا حَالَ إسْكَارِهِ كَانَ نَجِسًا، وَإِنْ جَمَدَ وَمَا كَانَ جَامِدًا حَالَ الْإِسْكَارِ يَكُونُ طَاهِرًا، وَإِنْ انْمَاعَ كَالْحَشِيشِ الْمُذَابِ وَكَالْكِشْكِ الْمُسْكِرِ حَالَ جُمُودِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِيهِ شِدَّةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute