وَتَالِيَيْهِ فَظَاهِرَةٌ لِحِلِّ تَنَاوُلِ الْأَخِيرَيْنِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: ٧٠] فِي الْأَوَّلِ وَقَضِيَّةُ تَكْرِيمُهُمْ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِمْ بِالْمَوْتِ وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨] فَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ أَوْ اجْتِنَابُهُمْ كَالنَّجَسِ لَا نَجَاسَةُ الْأَبْدَانِ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَيْتَةِ الزَّائِلَةُ الْحَيَاةُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا جَنِينُ الْمُذَكَّاةِ وَالصَّيْدُ الْمَيِّتُ بِالضَّغْطَةِ وَالْبَعِيرُ النَّادُّ الْمَيِّتُ بِالسَّهْمِ (وَدَمٌ) لِمَا مَرَّ مِنْ تَحْرِيمِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥] أَيْ سَائِلًا بِخِلَافِ غَيْرِ
ــ
[حاشية الجمل]
الْآدَمِيِّ اهـ مُحَلِّي وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ نَجِسٌ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ تُسْتَثْنَى الْأَنْبِيَاءُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالشُّهَدَاءُ، وَهَلْ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُ يَطْهُرُ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ اهـ ق ل عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَتَالِيَيْهِ) وَهُمَا السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَسَوَاءٌ مَاتَا بِاصْطِيَادٍ أَمْ بِقَطْعِ رَأْسٍ، وَلَوْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ مِنْ الْكُفَّارِ أَمْ حَتْفَ أَنْفِهِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: ٧٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِأَنْ جَعَلَهُمْ يَأْكُلُونَ بِالْأَيْدِي وَغَيْرُهُمْ يَأْكُلُ بِفِيهِ مِنْ الْأَرْضِ، وَقِيلَ بِالْعَقْلِ، وَقِيلَ بِالنُّطْقِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْخَطِّ وَالْفَهْمِ، وَقِيلَ بِاعْتِدَالِ الْقَامَةِ وَامْتِدَادِهَا، وَقِيلَ بِحُسْنِ الصُّورَةِ، وَقِيلَ الرِّجَالَ بِاللِّحَاءِ وَالنِّسَاءَ بِالذَّوَائِبِ، وَقِيلَ بِتَسْلِيطِهِمْ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي الْأَرْضِ وَتَسْخِيرِهِ لَهُمْ، وَقِيلَ بِحُسْنِ تَدْبِيرِهِمْ أَمْرَ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَآدَمُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ أَبُو الْبَشَرِ وَيُقَالُ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَعْنِي النَّبِيَّ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ وَعَلَّمَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَا لَمْ تَعْلَمْ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَجَعَلَ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ نَسْلِهِ وَهُوَ اسْمٌ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ أَيْ وَجْهِهَا أَوْ مِنْ الْأُدْمَةِ وَهِيَ السُّمْرَةُ خُلِقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَنُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأُسْكِنَ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَنُبِّئَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتِيبَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجْتَمَعَ بِحَوَّاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَهُ مِنْ الْعُمْرِ أَلْفُ سَنَةٍ عَلَى مَا قِيلَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ، وَلَمْ يَمُتْ حَتَّى بَلَغَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَعَاشَتْ حَوَّاءُ بَعْدَهُ سَنَةً، وَقِيلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَدُفِنَتْ بِجَنْبِهِ اهـ سُحَيْمِيٌّ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ. (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ تَكْرِيمِهِمْ) أَيْ وَقَضِيَّةُ عُمُومِ تَكْرِيمِهِمْ فِي الْآيَةِ، إذْ لَمْ يَرِدْ تَخْصِيصٌ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ فَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ) أَيْ فَسَادٌ فَهُوَ تَجَوُّزٌ، فَإِنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْأَعْيَانِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ لَا نَجَاسَةُ الْأَبْدَانِ) قَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُشْرِكِينَ الْأَحْيَاءِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْمَوْتَى اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ الزَّائِلَةُ الْحَيَاةُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ) يَرِدُ عَلَيْهِ جَنِينُ الْمُذَكَّاةِ الَّذِي لَمْ تُحِلَّهُ الْحَيَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ لَهُ زَائِلَةٌ مَعَ أَنَّهُ طَاهِرٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ كَالْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ شَوْبَرِيٌّ بِالْمَعْنَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّائِلَةِ الْحَيَاةِ الْمَعْدُومَةُ الْحَيَاةِ فَيَصْدُقُ بِعَدَمِ وُجُودِ حَيَاةٍ رَأْسًا اهـ شَيْخُنَا ح ف. وَقَوْلُ الشَّوْبَرِيِّ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ ضَعِيفٌ فَاَلَّذِي فِي شَرْحِ م ر فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ أَنَّ الْمُضْغَةَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَمِثْلُهَا الْعَلَقَةُ بِالْأَوْلَى وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ وَلَا بُدَّ فِي الْحِلِّ أَيْ حِلِّ الْجَنِينِ أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ مُؤَثِّرَةً فِيهِ فَلَوْ كَانَ مُضْغَةً لَمْ تَتَبَيَّنْ بِهَا صُورَةٌ لَمْ تَحِلَّ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ) ، وَمِنْ الْمُذَكَّاةِ ذَكَاةً غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ غَيْرُ الْمَأْكُولِ إذَا ذُبِحَ وَالْمَأْكُولُ إذَا ذَبَحَهُ مَنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ كَمَجُوسِيٍّ أَوْ مُحْرِمٍ وَالْمَذْبُوحُ صَيْدٌ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمٌ) أَيْ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ فَهُوَ غَايَةٌ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَمَيْتَةُ غَيْرِ بَشَرٍ وَلَيْسَ غَايَةً فِي التَّعْرِيفِ وَالْغَرَضُ الرَّدُّ عَلَى الْقَفَّالِ الْقَائِلِ بِطَهَارَةِ هَذِهِ الْمَيْتَةِ وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ غَايَةً فِي مَدْخُولِ غَيْرِ وَهُوَ الذَّكَاةُ الشَّرْعِيَّةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَمَّا مَا زَالَتْ حَيَاتُهُ بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمٌ عِنْدَ الذَّبْحِ وَيَكُونُ الْغَرَضُ أَيْضًا الرَّدَّ عَلَى الْقَفَّالِ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْمُذَكَّاةَ الَّتِي لَمْ يَسِلْ دَمُهَا وَقْتَ الذَّبْحِ مَيْتَةٌ نَجِسَةٌ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهَا جَنِينَ الْمُذَكَّاةِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ ذَلِكَ ذَكَاةً لَهُ اهـ ح ف. (قَوْلُهُ بِالضَّغْطَةِ) أَيْ الزَّحْمَةِ وَالْإِلْجَاءِ إلَى حَائِطٍ يُقَالُ ضَغَطَهُ ضَغْطًا مِنْ بَابِ نَفَعَ زَحَمَهُ إلَى حَائِطٍ وَعَصَرَهُ وَمِنْهُ ضَغْطَةُ الْقَبْرِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَدَمٌ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ، وَلَوْ تَحَلَّبَ مِنْ سَمَكٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥] أَيْ سَائِلًا وَخَرَجَ بِالْمَسْفُوحِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ. وَأَمَّا الدَّمُ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَعِظَامِهِ مِنْ الْمُذَكَّاةِ فَنَجَسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَفْوَ لَا يُنَافِي النَّجَاسَةَ فَمُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِطَهَارَتِهِ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ فَنَجَسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالدَّمِ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ ذُبِحَتْ شَاةٌ وَقُطِعَ لَحْمُهَا وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَثَرٌ مِنْ الدَّمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ كَمَا يُفْعَلُ فِي الْبَقَرِ الَّتِي تُذْبَحُ فِي الْمَحِلِّ الْمُعَدِّ لِذَبْحِهَا الْآنَ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِإِزَالَةِ الدَّمِ عَنْهَا، فَإِنَّ الْبَاقِي مِنْ الدَّمِ عَلَى اللَّحْمِ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَإِنْ قَلَّ لِاخْتِلَاطِهِ بِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ تَصْوِيرٌ حَسَنٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْعَفْوِ عَمَّا ذُكِرَ بَيْنَ الْمُبْتَلَى بِهِ كَالْجَزَّارِينَ وَغَيْرِهِمْ اهـ ع ش
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute