أَنْ يَشْرِطَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي وَقْفِهِ بِئْرَ رُومَةَ دَلْوِي فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ بَلْ إخْبَارٌ بِأَنَّ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِوَقْفِهِ الْعَامِّ كَالصَّلَاةِ بِمَسْجِدٍ وَقَفَهُ وَالشُّرْبِ مِنْ بِئْرٍ وَقَفَهَا (وَ) لَا عَلَى (عَبْدٍ لِنَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الْعَبْدِ لِتَعَذُّرِ تَمَلُّكِهِ (فَإِنْ أَطْلَقَ) الْوَقْفَ عَلَيْهِ (فَهُوَ) وَقْفٌ (عَلَى سَيِّدِهِ) أَيْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ لِيَصِحَّ أَوْ لَا يَصِحُّ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْإِرْقَاءِ الْمَوْقُوفِينَ عَلَى خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْجِهَةُ فَهُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى عَلَفِ الدَّوَابِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (وَ) لَا عَلَى (مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا دَوَامَ لَهُمَا مَعَ كُفْرِهِمَا، وَالْوَقْفُ صَدَقَةٌ دَائِمَةٌ.
(وَ) شَرْطٌ (فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْمُرَادِ) كَالْعِتْقِ
ــ
[حاشية الجمل]
مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ، وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ تَعْلِيلُهُ وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي مَوَاضِعِ نُفُوذِهِ بَاطِنًا وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا تَرَتُّبُ الْآثَارِ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ وَنَحْوِهِمَا وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيَصِيرُ الْأَمْرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ اهـ. شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ إلَخْ أَيْ وَلَوْ حَاكَمَ ضَرُورَةً وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْثُ صَدَرَ حُكْمٌ صَحِيحٌ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوًى وَجَوَابٍ.
أَمَّا لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ الْحَنَفِيُّ مَثَلًا حَكَمْت بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَبِمُوجِبِهِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ دَعْوَى فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا بَلْ هُوَ إفْتَاءٌ مُجَرَّدٌ، وَهُوَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ فَكَانَ كَأَنْ لَا حُكْمَ فَيَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ بَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِهِ) أَوْ يَقْضِيَ مِنْ رَيْعِهِ دَيْنَهُ الَّذِي لَزِمَ ذِمَّتَهُ، وَلَوْ أُجْرَةَ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ وَفَاءَ أُجْرَتِهَا الْوَاجِبَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ رَيْعِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ فِي وَقْفِهِ بِئْرَ رُومَةَ) وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا هَاجَرَ الْمُسْلِمُونَ اسْتَنْكَرُوا مَاءَ الْمَدِينَةِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِئْرٌ عَذْبٌ إلَّا بِئْرَ رُومَةَ وَكَانَتْ لِيَهُودِيٍّ يَبِيعُ الْقِرْبَةَ مِنْهَا بِمُدٍّ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَهَا لِلْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَى عُثْمَانُ نِصْفَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَجَعَلَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَجَعَلَ لَهُمْ يَوْمًا وَلِصَاحِبِهَا يَوْمًا فَكَانَ إذَا كَانَ يَوْمُهُ اسْتَقَى الْمُسْلِمُونَ مَا يَكْفِيهِمْ يَوْمَيْنِ فَلَمَّا رَأَى الْيَهُودِيُّ ذَلِكَ قَالَ لِعُثْمَانَ أَفْسَدْت عَلَيَّ مِلْكِي فَبَاعَهُ النِّصْفَ الثَّانِيَ بِثَمَانِيَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَهِيَ بِأَسْفَلِ وَادِي الْعَقِيقِ قُرْبَ مُجْتَمَعِ الْإِسْبَالِ وَكَانَتْ قَدْ خَرِبَتْ وَنُقِضَتْ حِجَارَتُهَا فَأَحْيَاهَا وَجَدَّدَهَا قَاضِي مَكَّةَ الشِّهَابُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي حُدُودِ الْخَمْسِينَ وَسَبْعمِائَةٍ اهـ. مِنْ تَارِيخِ الْمَدِينَةِ لِلسَّمْهُودِيِّ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ) هَذَا الْكَلَامُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّصْرِيحَ بِنَفْسِهِ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ فِي وَقْفِ نَحْوِ الْبِئْرِ وَالْمَسْجِدِ يَضُرُّ فَتَأَمَّلْهُ وَرَاجِعْهُ اهـ. سم، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ بِشَرْطِهِ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ فَأَشْبَهَ الْوَقْفَ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ وَعَبْدٌ لِنَفْسِهِ) أَمَّا الْمُبَعَّضُ فَالظَّاهِرُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً وَصَدَرَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَكَالْحُرِّ أَوْ يَوْمَ نَوْبَةِ سَيِّدِهِ فَكَالْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةً وَزَرَعَ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ ابْنِ خَيْرٍ أَنَّ صِحَّةَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَلَوْ أَرَادَ مَالِكُ الْبَعْضِ أَنْ يَقِفَ نِصْفَهُ الرَّقِيقَ عَلَى نِصْفِهِ الْحُرِّ فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهِ لِنِصْفِهِ الْحُرِّ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ الْأَوْجَهَ صِحَّتُهُ عَلَى مُكَاتَبِ غَيْرِهِ كِتَابَةً صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي، وَإِنْ نَقَلَ خِلَافَهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ثُمَّ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْكِتَابَةِ صُرِفَ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ أَيْضًا وَإِلَّا فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْآخِرِ فَيَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ وَيَنْتَقِلُ الْوَقْفُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ. هَذَا إنْ لَمْ يَعْجِزْ وَإِلَّا بَانَ بُطْلَانُهُ لِكَوْنِهِ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ غَلَّتِهِ أَمَّا مُكَاتَبُ نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا سَيَأْتِي فِي إعْطَاءِ الزَّكَاةِ لَهُ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى سَيِّدِهِ) أَيْ وَيَقْبَلُ هُوَ إنْ شَرَطْنَاهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْآتِي، وَإِنْ نَهَاهُ سَيِّدُهُ عَنْهُ دُونَ السَّيِّدِ إنْ امْتَنَعَ كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْوَصِيَّةِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى سَيِّدِهِ) أَيْ وَالْقَبُولُ مِنْ الْعَبْدِ وَهَلْ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ؟ اُنْظُرْهُ اهـ. ح ل وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِطْلَاقِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْبَهِيمَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ أَهْلٌ لِلْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِهِمَا، وَقَوْلُهُ لِيَصِحَّ أَيْ إنْ كَانَ الْعَبْدُ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ، وَقَوْلُهُ أَوْ لَا يَصِحُّ أَيْ إنْ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ. اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ إلَخْ) هُوَ فِي الْمَعْنَى مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ وَلَا عَبْدَ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ الْمَوْقُوفِينَ عَلَى خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ) ، وَأَمَّا الْخُدَّامُ الْأَحْرَارُ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ جَزْمًا اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ وَلَا عَلَى مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ) لَعَلَّ هَذَا مُحْتَرَزُ قَيْدٍ مَلْحُوظٍ فِي قَوْلِهِ إمْكَانُ تَمَلُّكِهِ أَيْ مَعَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ الْإِزَالَةَ مَعَ الْكُفْرِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلُهُ مَعَ كُفْرِهِمَا الَّذِي هُوَ جُزْءُ الْعِلَّةِ الثَّانِي أَنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَيَكُونُ هَذَا مَفْهُومَ قَيْدٍ مَقْدُورٍ وَلِذَلِكَ أَعَادَ الْمَتْنَ النَّافِيَ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا لَا دَوَامَ لَهُمَا مَعَ كُفْرِهِمَا إلَخْ) وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَإِنْ كَانَا دُونَهُ فِي الْإِهْدَارِ إذْ لَا تُمْكِنُ عِصْمَتُهُ بِحَالٍ خِلَافَهُمَا بِأَنَّ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا مُنَابَذَةً لِعِزَّةِ الْإِسْلَامِ لِتَمَامِ مُعَانَدَتِهِمَا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِهِ لَا سِيَّمَا وَالِارْتِدَادُ يُنَافِي الْمِلْكَ وَالْحِرَابَةُ سَبَبُ زَوَالِهِ فَلَا يُنَاسِبُهُمَا التَّحْصِيلُ أَمَّا الْمُعَاهَدُ وَالْمُؤَمَّنُ فَيَلْحَقَانِ بِالْحَرْبِيِّ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الدَّمِيرِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ