للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا.

(الْكَافِرَانِ يَتَوَارَثَانِ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ، أَوْ مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ لِأَنَّ الْمِلَلَ فِي الْبُطْلَانِ كَالْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ قَالَ تَعَالَى {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: ٣٢] وَقَالَ {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: ٦] (لَا حَرْبِيٌّ وَغَيْرُهُ) كَذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا وَقَوْلِي " وَغَيْرُهُ " أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: وَذِمِّيٌّ (وَلَا مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ) وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ لِذَلِكَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» .

(وَلَا مُتَوَارِثَانِ مَاتَا بِنَحْوِ غَرَقٍ) كَهَدْمٍ وَحَرِيقٍ (وَلَمْ يُعْلَمْ أَسْبَقُهُمَا) مَوْتًا سَوَاءٌ أَعُلِمَ سَبْقٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ تَحَقُّقَ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ فَلَوْ عُلِمَ أَسْبَقُهُمَا وَنُسِيَ وُقِفَ الْمِيرَاثُ إلَى الْبَيَانِ، أَوْ الصُّلْحِ وَتَعْبِيرِي بِنَحْوِ غَرَقٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِغَرَقٍ، أَوْ هَدْمٍ، أَوْ غُرْبَةٍ.

(وَلَا يَرِثُ نَحْوُ مُرْتَدٍّ) كَيَهُودِيٍّ تَنَصَّرَ أَحَدًا؛ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مُوَالَاةٌ فِي الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ دِينًا يُقَرُّ عَلَيْهِ وَلَا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ

(وَلَا يُورَثُ) لِذَلِكَ لَكِنْ لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ طَرَفَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ الْمَقْطُوعُ وَمَاتَ سِرَايَةً وَجَبَ قَوَدُ الطَّرَفِ وَيَسْتَوْفِيهِ مَنْ كَانَ وَارِثَهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ وَمِثْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ، وَ " نَحْوُ " مِنْ زِيَادَتِي وَكَذَا

(كَزِنْدِيقٍ) وَهُوَ مَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ لِذَلِكَ

ــ

[حاشية الجمل]

قَوْلُهُ: وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا) أَيْ مِنْ مَوَانِعِ صَرْفِ التَّرِكَةِ حَالًا، وَمِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ جَمَعَ جِهَتَيْ فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ إلَخْ، وَالْمَوَانِعُ الْمَذْكُورَةُ - أَيْ مَوَانِعُ صَرْفِ التَّرِكَةِ حَالًا - ثَلَاثَةٌ ذَكَرَ أَوَّلَهَا بِقَوْلِهِ: وَمَنْ فُقِدَ وُقِفَ مَالُهُ إلَخْ وَذَكَرَ ثَانِيَهَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ خَلَفَ حَمْلًا إلَخْ وَذَكَرَ ثَالِثَهَا بِقَوْلِهِ: وَالْمُشْكِلُ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ إرْثُهُ إلَخْ أَشَارَ لَهُ الْحَلَبِيُّ، وَأَمَّا مَوَانِعُ الْإِرْثِ فَقَدْ تَكَفَّلَ الشَّارِحُ بِالْكَلَامِ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: الْكَافِرَانِ يَتَوَارَثَانِ إلَخْ) شَمِلَ كَلَامُهُ تَوَارُثَ الْحَرْبِيَّيْنِ - وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دَارُهُمَا خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ سَهْوٌ - وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ كَانَا مَعْصُومَيْنِ، وَقَوْلُهُ " لَا حَرْبِيٌّ وَغَيْرُهُ " أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْغَيْرُ بِدَارِنَا، أَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَرِثُ وَكَذَا إنْ كَانَ بِدَارِنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ) وَتَصْوِيرُ إرْثِ الْيَهُودِيِّ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسُهُ - مَعَ أَنَّ الْمُنْتَقِلَ مِنْ مِلَّةٍ لِمِلَّةٍ لَا يُقَرُّ - ظَاهِرٌ فِي الْوَلَاءِ وَالنِّكَاحِ وَكَذَا النَّسَبُ فِيمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يَهُودِيٌّ، وَالْآخَرُ نَصْرَانِيٌّ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَا أَوْلَادُهُ فَلِبَعْضِهِمْ اخْتِيَارُ الْيَهُودِيَّةِ وَلِبَعْضِهِمْ اخْتِيَارُ النَّصْرَانِيَّةِ اهـ حَجّ. (قَوْلُهُ: كَالْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ) بِمَعْنَى أَنَّ الْكُفَّارَ عَلَى اخْتِلَافِ فِرَقِهِمْ يَجْمَعُهُمْ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ فَاخْتِلَافُهُمْ كَاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي الْإِسْلَامِ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: لَا حَرْبِيٌّ وَغَيْرُهُ) أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ يَتَوَارَثَانِ لِشُمُولِ الْكُفْرِ لَهُمَا وَقَوْلُهُ: كَذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ أَيْ وَمُؤَمَّنٍ فَالتَّوَارُثُ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَذِمِّيٍّ آخَرَ، وَبَيْنَ الْمُعَاهَدِ وَالْمُعَاهَدِ وَبَيْنَ الْمُؤَمَّنِ وَالْمُؤَمَّنِ، وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْمُؤَمَّنِ، وَبَيْنَ الْمُعَاهَدِ وَالْمُؤَمَّنِ اهـ مِنْ شَرْحِ الْمَحَلِّيِّ بِتَصَرُّفٍ فِي اللَّفْظِ. (قَوْلُهُ: لَا حَرْبِيٌّ وَغَيْرُهُ إلَخْ) فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ قُيُودٍ فِيمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا إذَا لُوحِظَتْ كَانَتْ هَذِهِ خَارِجَةً بِهَا كَأَنْ يُقَالَ: الْكَافِرَانِ اللَّذَانِ لَمْ يَخْتَلِفَا فِي الْعَهْدِ وَعَدَمِهِ يَتَوَارَثَانِ كَالْمُسْلِمَيْنِ حَيْثُ عُلِمَ تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَقَوْلُهُ: لَا حَرْبِيٌّ وَغَيْرُهُ مُحْتَرَزُ قَوْلِنَا: اللَّذَانِ لَمْ يَخْتَلِفَا إلَخْ، وَقَوْلُهُ: وَلَا مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ مُحْتَرَزُ تَخْصِيصِ الْإِرْثِ بِالْكَافِرَيْنِ وَالْمُسْلِمَيْنِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا مُتَوَارِثَانِ مَاتَا بِنَحْوِ غَرَقٍ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِنَا حَيْثُ عُلِمَ تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ: وَلَا مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ) وَإِنَّمَا جَازَ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ الْكَافِرَةَ؛ لِأَنَّ مَبْنَى مَا هُنَا عَلَى الْمُوَالَاةِ وَالنُّصْرَةِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَنَوْعٌ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ اهـ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: وَلَا مُتَوَارِثَانِ مَاتَا بِنَحْوِ غَرَقٍ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا حَرْبِيٌّ وَغَيْرُهُ بِإِعَادَةِ النَّافِي تَأْكِيدًا وَالْمُرَادُ بِالْمُتَوَارِثِينَ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا سَبَبُ الْإِرْثِ كَالْقَرَابَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ.

وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ وَلَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِهَدْمٍ، أَوْ غَرَقٍ إلَى أَنْ قَالَ: لَمْ يَتَوَارَثَا وَمَالُ كُلٍّ لِبَاقِي وَرَثَتِهِ انْتَهَتْ، وَفِي شَرْحِ م ر: التَّعْبِيرُ بِصِيغَةِ التَّفَاعُلِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ فَلَا يَرِدُ نَحْوُ عَمَّةٍ وَابْنِ أَخِيهَا مَاتَا مَعًا إذْ الْعَمَّةُ لَا تَرِثُ اهـ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِيمَا يُعْلَمُ مِنْهُ شُرُوطُ الْإِرْثِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ تَحَقُّقُ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ أَوْ إلْحَاقُهُ بِالْمَوْتَى حُكْمًا وَتَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ، أَوْ إلْحَاقُهُ بِالْأَحْيَاءِ حُكْمًا، وَالْعِلْمُ بِجِهَةِ الْإِرْثِ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَا مُتَوَارِثَانِ مَاتَا بِنَحْوِ غَرَقٍ إلَخْ) أَيْ بَلْ مَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِبَاقِي وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَّثَ الْأَحْيَاءَ مِنْ الْأَمْوَاتِ وَهُنَا لَا نَعْلَمُ حَيَاتَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَلَمْ يَرِثْ كَالْجَنِينِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا وَلِأَنَّا إنْ وَرَّثْنَا أَحَدَهُمَا فَقَطْ فَهُوَ تَحَكُّمٌ أَوْ كُلًّا مِنْ صَاحِبِهِ تَيَقَّنَّا الْخَطَأَ، أَوْ حِينَئِذٍ فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّ كُلٍّ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ الْآخَرُ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: كَهَدْمٍ) هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ الْمَهْدُومُ وَبِسُكُونِ ثَانِيهِ الِانْهِدَامُ وَلَوْ بِغَيْرِ فِعْلٍ وَبِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ الثَّوْبُ الْبَالِي اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ عُلِمَ سَبْقٌ) أَيْ وَجُهِلَ عَيْنُ السَّابِقِ، وَقَوْلُهُ: أَمْ لَا بِأَنْ جُهِلَ السَّبْقُ، وَالْمَعِيَّةُ، أَوْ عُلِمَتْ الْمَعِيَّةُ وَبِذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ فَلَوْ عُلِمَ أَسْبَقُهُمَا إلَخْ عُلِمَ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ خَمْسَةَ أَحْوَالٍ كَنَظَائِرِهَا فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا اهـ شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ إلَخْ) سَيَأْتِي إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلِ: جَرَحَ عَبْدَهُ، أَوْ حَرْبِيًّا إلَخْ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ وَلَوْ ارْتَدَّ جَرِيحٌ وَمَاتَ فَنَفْسُهُ هَدَرٌ وَلِوَارِثِهِ قَوَدُ الْجُرْحِ إنْ أَوْجَبَهُ، وَإِلَّا فَالْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِهِ وَدِيَةٍ وَيَكُونُ فَيْئًا وَقَوْلُهُ وَيَسْتَوْفِيهِ وَارِثُهُ إلَخْ قَالَ الْحَلَبِيُّ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ فَلَوْ عَفَا الْوَارِثُ عَنْ الْقَوَدِ عَلَى مَالٍ صَحَّ وَكَانَ فَيْئًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا كَزِنْدِيقٍ) أَيْ فَإِنَّهَا مِنْ زِيَادَتِي اهـ ع ش. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ) كَذَا فَسَّرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ وَفَسَّرَهُ هُنَا بِمَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ هُنَا وَحَاوَلَ الْجَوْهَرِيُّ اتِّحَادَهُمَا مَعْنًى قَالَ: لِأَنَّ التَّدَيُّنَ بِالدِّينِ هُوَ تَوَافُقُ الظَّاهِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>