يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» (أَرْكَانُهَا) لَا بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ (مُوصًى لَهُ وَ) مُوصًى (بِهِ وَصِيغَةٌ وَمُوصٍ وَشُرِطَ فِيهِ تَكْلِيفٌ وَحُرِّيَّةٌ وَاخْتِيَارٌ)
ــ
[حاشية الجمل]
لَزِمَ مِنْ تَرْكِهَا ضَيَاعُ حَقٍّ وَقَدْ تَحْرُمُ إنْ لَزِمَ عَلَيْهَا فَسَادٌ وَقَدْ تُكْرَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْحُرْمَةُ، وَالْكَرَاهَةُ هُنَا مِنْ حَيْثُ الْعَقْدُ فَهِيَ صَحِيحَةٌ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي وَقَدْ تُبَاحُ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّهَا لَيْسَتْ عَقْدَ قُرْبَةٍ أَيْ دَائِمًا كَذَا قَالُوا: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ مَا وَضَعَهُ عَلَى النَّدْبِ لَا يَكُونُ مُبَاحًا فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُبَاحًا كَعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْآتِيَةِ؛ إذْ لَا مُلَازَمَةَ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا قَدْ تُكْرَهُ فِي الْقُرْبَةِ فَتَأَمَّلْ انْتَهَتْ وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَجُورُ فِي وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِسُوءِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ» اهـ مِنْ هَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَخْ) أَيْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَنٌ بِدُونِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ مَنْ مَاتَ بِدُونِهَا لَا يَتَكَلَّمُ فِي الْبَرْزَخِ وَلَا يَتَزَاوَرُ مَعَ الْمَوْتَى اهـ شَيْخُنَا، وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ.
(فَائِدَةٌ) : قَالَ الدَّمِيرِيُّ رَأَيْت بِخَطِّ ابْنِ الصَّلَاحِ أَبِي عُمَرَ أَنَّ مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ لَا يَتَكَلَّمُ فِي مُدَّةِ الْبَرْزَخِ وَأَنَّ الْأَمْوَاتَ يَتَزَاوَرُونَ سِوَاهُ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَا بَالُ هَذَا فَيُقَالُ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ اهـ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الشَّنَوَانِيِّ وَيُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ خَرَجَ مَخْرَجِ الزَّجْرِ اهـ هَكَذَا بِهَامِشٍ صَحِيحٍ وَسَيَأْتِي أَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ حَيْثُ قَامَ بِهِ مَا يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ وَعَلَيْهِ فَمَنْ مَاتَ فَجْأَةً، أَوْ بِمَرَضٍ خَفِيفٍ لَا يُخْشَى مِنْهُ هَلَاكٌ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَخْ) مَا بِمَعْنَى لَيْسَ وَقَوْلُهُ " يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ " صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِامْرِئٍ وَ " يُوصِي فِيهِ " صِفَةُ " شَيْءٌ "، وَالْمُسْتَثْنَى خَبَرُ مَا قَالَ الْمُظْهِرِيُّ قَيْدُ لَيْلَتَيْنِ تَأْكِيدٌ وَلَيْسَ بِتَحْدِيدٍ يَعْنِي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ أَقُولُ فِي تَخْصِيصِ اللَّيْلَتَيْنِ تَسَامُحٌ فِي إرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ شَرْحُ الْمَصَابِيحِ لِلطِّيبِيِّ اهـ ع ش، وَفِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَيْلَةً، أَوْ لَيْلَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَكَأَنَّ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ ذُكِرَا لِرَفْعِ الْحَرَجِ لِتَزَاحُمِ أَشْغَالِ الْمَرْءِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَيُفْسَحُ لَهُ فِي هَذَا الْقَدْرِ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّقْرِيبِ لَا لِلتَّحْدِيدِ، وَالْمَعْنَى لَا يَمْضِي عَلَيْهِ زَمَانٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا مِنْ لَدُنْ وَجْدِ الشَّيْءِ الَّذِي يُوصِي فِيهِ، أَوْ مِنْ إرَادَةِ الْوَصِيَّةِ احْتِمَالَانِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اغْتِفَارِ هَذَا الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَكَأَنَّ الثَّلَاثَةَ غَايَةٌ لِلتَّأْخِيرِ وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ فَتْحِ الْبَارِي. (قَوْلُهُ: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ، وَالْكَرْمَانِيُّ: " مَا " نَافِيَةٌ، وَ " حَقُّ " اسْمُهَا وَ " لَهُ شَيْءٌ " صِفَةُ " مُسْلِمٍ " وَيُوصِي فِيهِ صِفَةُ " شَيْءٌ " وَيَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ صِفَةٌ أَيْضًا لِمُسْلِمٍ، وَالْمُسْتَثْنَى خَبَرُهَا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْخَبَرَ لَا يَقْتَرِنُ بِالْوَاوِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَبِيتُ هُوَ الْخَبَرُ وَكَأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ " أَنْ " وَيَجُوزُ أَنْ لَا حَذْفَ وَيَكُونُ " يَبِيتُ " صِفَةً لِمُسْلِمٍ، وَمَفْعُولُ " يَبِيتُ " مَحْذُوفٌ أَيْ مَرِيضًا اهـ شَوْبَرِيٌّ.
هَذَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ " يَبِيتُ " خَبَرًا، وَالْمُسْتَثْنَى حَالًا أَيْ مَا الْحَزْمُ وَالرَّأْيُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَبِيتَ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اهـ شَيْخُنَا، وَفِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَمَفْعُولُ " يَبِيتُ " مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ آمِنًا، أَوْ ذَاكِرًا وَقَالَ ابْنُ الْمَتِينِ مَوْعُوكًا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَرَضِ اهـ مِنْ فَتْحِ الْبَارِي اهـ وَقَوْلُهُ: وَمَفْعُولُ " يَبِيتُ " لَعَلَّ حَقَّهُ أَنْ يُقَالَ: وَخَبَرُ " يَبِيتُ " مَحْذُوفٌ إلَخْ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ) أَيْ مِنْ بُلُوغِهِ، أَوْ إسْلَامِهِ إنْ كَانَ كَافِرًا فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ خَمْسَةٌ هَذَانِ وَالثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَهِيَ مِنْ إرَادَتِهِ لِلْوَصِيَّةِ، أَوْ مِنْ وِجْدَانِهِ مَا يُوصِي، أَوْ مَوْعُوكًا وَمَرِيضًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَرْكَانُهَا لَا بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ) لِأَنَّهَا بِمَعْنَاهُ يُبَدَّلُ الرُّكْنُ الَّذِي هُوَ مُوصًى بِهِ بِمُوصًى فِيهِ اهـ ح ل أَيْ وَالرُّكْنُ الَّذِي هُوَ الْمُوصَى لَهُ بِالْوَصِيِّ كَمَا سَيَأْتِي هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: مُوصًى لَهُ) قَضِيَّةُ جَعْلِهِ مِنْ الْأَرْكَانِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي صَحَّتْ وَتُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ اهـ سَبْط طب.
وَعِبَارَةُ م ر وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ صِحَّتُهَا مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ جِهَةٍ وَلَا شَخْصٍ كَ أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي وَيُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ، أَوْ بِثُلُثِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَيُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يُقْصَدَ بِهَا أُولَئِكَ فَكَانَ إطْلَاقُهَا بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِهِمْ فَفِيهِ ذِكْرُ جِهَةٍ ضِمْنًا وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْوَقْفَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَصْرِفِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: وَحُرِّيَّةٌ) أَيْ لِكُلِّهِ، أَوْ بَعْضِهِ فَالْمُبَعَّضُ تَصِحُّ مِنْهُ بِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute