للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَعَ السُّكُوتِ نَعَمْ لَوْ قَالَ الْوَدِيعُ: أَوْدِعْنِيهِ مَثَلًا فَدَفَعَهُ لَهُ سَاكِتًا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكْفِيَ ذَلِكَ كَالْعَارِيَّةِ وَعَلَيْهِ فَالشَّرْطُ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِهِمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْإِيجَابُ إمَّا صَرِيحٌ (كَأَوْدَعْتُكَ هَذَا، أَوْ اسْتَحْفَظْتُكَهُ أَوْ) كِنَايَةٌ مَعَ النِّيَّةِ (كَخُذْهُ) .

(فَإِنْ عَجَزَ) مَنْ يُرَادُ الْإِيدَاعُ عِنْدَهُ (عَنْ حِفْظِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (حَرُمَ) عَلَيْهِ (أَخْذُهَا) ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ (أَوْ) قَدَرَ عَلَيْهِ وَ (لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَتِهِ) فِيهَا (كُرِهَ) لَهُ أَخْذُهَا خَشْيَةَ الْخِيَانَةِ فِيهَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِحَالِهِ الْمَالِكُ فَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ، وَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ، الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ وَأَثَرُ التَّحْرِيمِ

ــ

[حاشية الجمل]

فَالشَّرْطُ عَدَمُ الرَّدِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ فِعْلٍ مَعَ الْقَبُولِ فَلَوْ قَالَ هَذَا وَدِيعَةٌ، أَوْ احْفَظْهُ فَقَالَ قَبِلْت، أَوْ ضَعْهُ فَوَضَعَهُ كَانَ إيدَاعًا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ سَوَاءٌ الْمَسْجِدُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ أَقْوَى مِنْ مُجَرَّدِ الْفِعْلِ وَقَدْ رَجَّحَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ وُجِدَ لَفْظٌ مِنْ الْوَدِيعِ وَإِعْطَاءٌ مِنْ الْمُودِعِ كَانَ إيدَاعًا أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ، وِفَاقًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ فَالشَّرْطُ لَفْظُ أَحَدِهِمَا وَفِعْلُ الْآخَرِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ اهـ وَقَوْلُهُ: فَالشَّرْطُ لَفْظُ أَحَدِهِمَا إلَخْ.

مِنْ هَذَا يُعْلَمُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا حَمَّلَ دَابَّتَهُ حَطَبًا وَطَلَبَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَنْ يَأْخُذُوهَا مَعَهُمْ إلَى مِصْرَ وَيَبِيعُوا الْحَطَبَ لَهُ فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلُوهَا مِنْهُ فَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ عَلَى نِيَّةِ أَنَّهُ يَأْتِي بِأَثْوَابِ السَّفَرِ وَيَلْحَقُهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ إنَّهُمْ حَضَرُوا بِهَا إلَى مِصْرَ وَتَصَرَّفُوا فِي الْحَطَبِ لِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَوَضَعُوا الدَّابَّةَ عِنْدَ دَوَابِّهِمْ فَضَاعَتْ بِلَا تَقْصِيرٍ وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: مَعَ السُّكُوتِ) أَيْ مِنْهُمَا أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ إذَا وَضَعَ إنْسَانٌ ثِيَابَهُ فِي الْحَمَّامِ وَلَمْ يَسْتَحْفِظْهُ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ اهـ ح ل أَيْ، وَإِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحْفَظَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ، أَوْ أَعْطَاهُ أُجْرَةً لِحِفْظِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا إنْ فَرَّطَ كَأَنْ نَامَ أَوْ غَابَ وَلَمْ يَسْتَحْفِظْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنْ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الدَّوَابُّ فِي الْخَانِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْخَانِيُّ إلَّا إذَا قَبِلَ الِاسْتِحْفَاظَ أَوْ الْأُجْرَةَ وَلَيْسَ مِنْ التَّفْرِيطِ مِنْ الْحَمَّامِيِّ وَالْخَانِيِّ مَا لَوْ كَانَ يُلَاحِظُ عَلَى الْعَادَةِ فَتَغَفَّلَهُ سَارِقٌ، أَوْ خَرَجَتْ الدَّابَّةُ فِي بَعْضِ غَفَلَاتِهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ فِي الْحِفْظِ الْمُعْتَادِ.

فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِيهِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْصِيرِ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحْفَظَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ أَيْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْحَوَائِجِ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا إذَا كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ كِيسِ نَقْدٍ مَثَلًا مَا لَمْ يُعَيِّنْهُ لَهُ بِشَخْصِهِ فَإِنْ عَيَّنَهُ لَهُ كَذَلِكَ ضَمِنَ وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَنْتَهِزْ السَّارِقُ الْفُرْصَةَ فَإِنْ انْتَهَزَهَا لَا ضَمَانَ، وَقَوْلُنَا: يَضْمَنُ جَمِيعَ الْحَوَائِجِ أَيْ سَوَاءٌ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ كَأَنْ لَمْ تَجْرِ صِيغَةُ إجَارَةٍ أَمْ لَا كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِحِفْظِهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَقَوْلُهُ: أَوْ أَعْطَاهُ أُجْرَةً أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْوَدِيعُ بِاللَّفْظِ وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ مِنْ الْمَالِكِ وَقَوْلُهُ: كَأَنْ نَامَ أَوْ غَابَ لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ طَرَأَ لَهُ مَا يَقْتَضِي غَيْبَتَهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ رَدِّهَا لِلْمَالِكِ لِمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ أَرَادَ السَّفَرَ، أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِاسْتِحْفَاظِ غَيْرِهِ لِمَنْ عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ وَقَوْلُهُ: إلَّا إنْ قَبِلَ الِاسْتِحْفَاظَ وَمِنْهُ اذْهَبْ وَخَلِّهَا وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ الْآتِي: أَوْ ضَعْهُ فَوَضَعَهُ إلَخْ قَالَ فِي الْعُبَابِ وَمَنْ رَبَطَ دَابَّتَهُ فِي خَانٍ وَاسْتَحْفَظَ صَاحِبَهُ فَخَرَجَتْ فِي بَعْضِ غَفَلَاتِهِ، أَوْ لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ بَلْ قَالَ أَيْنَ أَرْبِطُهَا فَقَالَ هُنَا، ثُمَّ فَقَدَهَا لَمْ يَضْمَنْ أَقُولُ وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي الْحَمَّامِيِّ فَلَوْ وَجَدَ الْمَكَانَ مَزْحُومًا مَثَلًا وَقَالَ أَيْنَ أَضَعُ حَوَائِجِي فَقَالَ لَهُ ضَعْهَا هُنَا فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: كَالْعَارِيَّةِ) وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِأَنَّ أَصْلَ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ هُوَ الضَّمَانُ وَالضَّمَانُ لَا يَزُولُ إلَّا بِلَفْظٍ مِنْ الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةُ فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ فَاكْتُفِيَ فِيهَا بِلَفْظٍ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَأَيْضًا فَالْوَدِيعَةُ مَقْبُوضَةٌ لِغَرَضِ الْمَالِكِ، وَغَرَضُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِلَفْظٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَالْعَارِيَّةُ بِعَكْسِ ذَلِكَ فَاحْتِيجَ إلَى لَفْظِ الْمُسْتَعِيرِ، أَوْ فِعْلِهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَأَوْدَعْتُكَ هَذَا) وَلَوْ قَالَ خُذْهُ يَوْمًا وَدِيعَةً وَيَوْمًا عَارِيَّةً، أَوْ عَكْسَهُ عَمِلَ بِمَا قَالَهُ فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَبَعْدَهُمَا أَمَانَةٌ أَبَدًا غَيْرُ وَدِيعَةٍ وَقَالَ م ر فِي الْأُولَى مَضْمُونٌ أَبَدًا وَلَوْ أَوْدَعَهُ ثَوْبًا وَأَذِنَهُ بِلُبْسِهِ فَعَقْدَانِ فَاسِدَانِ وَهُوَ قَبْلَ لُبْسِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَبَعْدَهُ مَضْمُونٌ؛ إذْ فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

(قَوْلُهُ: حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ لَا يَحْرُمُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ وَسِيلَةٌ فَيَحْرُمُ أَيْضًا اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ فِيهَا) أَيْ بِأَنْ خَافَ الْخِيَانَةَ فِيهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ) قَالَ بَعْضُهُمْ وَتَكُونُ مُبَاحَةً فِي هَذِهِ اهـ سم وَنُوزِعَ فِيهِ اهـ ز ي فَتَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ وَكُلُّهَا فِي الشَّارِحِ عَلَى كَلَامِ سم وَقَالَ ع ش وَتُتَصَوَّرُ الْإِبَاحَةُ هُنَا بِأَنْ شَكَّ فِي أَمَانَةِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ، الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ) أَيْ إنْ كَانَ الْمُودِعُ مَالِكًا فَإِنْ كَانَ وَلِيًّا، أَوْ وَكِيلًا حَيْثُ يَجُوزُ لَهُمَا الْإِيدَاعُ ضَمِنَهَا آخِذُهَا بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ: وَأَثَرُ التَّحْرِيمِ) أَيْ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ مَقْصُورٌ عَلَى الْإِثْمِ أَيْ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَى الضَّمَانِ اهـ ع ش عَلَى م ر وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>