فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي خِصَالِ الْكَفَاءَةِ يَسَارٌ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْلُ الْمُرُوآتِ وَالْبَصَائِرِ وَلَا سَلَامَةَ مِنْ عُيُوبٍ أُخْرَى مُنَفِّرَةٍ كَعَمًى وَقَطْعٍ وَتَشَوُّهِ صُورَةٍ وَإِنْ اعْتَبَرَهَا الرُّويَانِيُّ وَيُعْتَبَرُ فِي الْحِرْفَةِ وَالْعِفَّةِ الْآبَاءُ أَيْضًا كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْهَا (وَلَا يُقَابَلُ بَعْضُهَا) أَيْ خِصَالِ الْكَفَاءَةِ (بِبَعْضٍ) فَلَا تُزَوَّجُ سَلِيمَةٌ مِنْ الْعَيْبِ دَنِيئَةٌ مَعِيبًا نَسِيبًا وَلَا حُرَّةٌ فَاسِقَةٌ رَقِيقًا عَفِيفًا وَلَا عَرَبِيَّةٌ فَاسِقَةٌ عَجَمِيًّا عَفِيفًا لِمَا بِالزَّوْجِ فِي ذَلِكَ مِنْ النَّقْصِ الْمَانِعِ مِنْ الْكَفَاءَةِ وَلَا يَنْجَبِرُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْفَضِيلَةِ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا (وَلَهُ) أَيْ لِلْأَبِ (تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ) بِنَسَبٍ أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يُعَيَّرُ بِاسْتِفْرَاشٍ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ نَعَمْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ (لَا مَعِيبَةً) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْغِبْطَةِ فَلَا يَصِحُّ (وَلَا أَمَةً) لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الزِّنَا الْمُعْتَبَرِ فِي جَوَازِ نِكَاحِهَا
ــ
[حاشية الجمل]
وَحِرْفَتَهَا الدَّنِيئَةَ تُؤَثِّرُ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى الْعُرْفِ وَهُوَ قَاضٍ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافَهُ وَأَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ حَافِظَ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ لَا يُكَافِئُ ابْنَتَهُ مَنْ لَا يَحْفَظُهُ اهـ شَرْحُ م ر
(تَنْبِيهٌ) مُرَادُهُ بِالْعَالِمِ هُنَا مَنْ يُسَمَّى عَالِمًا فِي الْعُرْفِ وَهُوَ الْفَقِيهُ وَالْمُحَدِّثُ وَالْمُفَسِّرُ لَا غَيْرُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ اهـ ع ش عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ فَعِلْمٌ) أَيْ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْخَمْسَةِ فِي مَقَامِ الْبَيَانِ فَيُفِيدُ الْحَصْرَ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ) هُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى ذَاهِبٍ وَرَائِحٍ عَكْسُهُ وَمِنْهُ حَدِيثُ «مَنْ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ» أَيْ أَتَى إلَيْهَا اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ أَهْلُ الْمُرُوءَاتِ) جَمْعُ مُرُوءَةٍ وَهِيَ صِفَةٌ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا عَنْ ارْتِكَابِ الْخِصَالِ الرَّذِيلَةِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ وَالْبَصَائِرِ) جَمْعُ بَصِيرَةٍ وَهِيَ النَّظَرُ بِالْقَلْبِ فِي الْأُمُورِ وَالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ بِخِلَافِ الْبَصَرِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَبَصُرْت بِالشَّيْءِ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ لُغَةً بَصَرًا بِفَتْحَتَيْنِ عَلِمْت فَأَنَا بَصِيرٌ بِهِ يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ فِي اللُّغَةِ الْفُصْحَى وَقَدْ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَهُوَ ذُو بَصَرٍ وَبَصِيرَةٍ أَيْ عِلْمٍ وَخِبْرَةٍ وَيَتَعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ إلَى ثَانٍ فَيُقَالُ بَصُرْته تَبْصِيرًا وَالِاسْتِبْصَارُ بِمَعْنَى الْبَصِيرَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ اعْتَبَرَهَا الرُّويَانِيُّ) أَيْ اعْتَبَرَ السَّلَامَةَ مِنْ الْعُيُوبِ الْأُخَرِ وَمَعَ كَوْنِ هَذَا ضَعِيفًا يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ وَقِيلَ تُعْتَبَرُ رِعَايَةُ الْبَلَدِ فَلَا يُكَافِئُ جَبَلِيٌّ بَلَدِيَّةً وَلَا يَنْبَغِي مُرَاعَاةُ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْحِرْفَةِ وَالْعِفَّةِ الْآبَاءُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا اُعْتُبِرَتْ فِي الزَّوْجَيْنِ وَفِيهِ إنَّ هَذَا وَاضِحٌ فِي الْعِفَّةِ دُونَ الْحِرْفَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الزَّوْجَيْنِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ أَيْ كَمَا اُعْتُبِرَتْ فِي الزَّوْجِ نَفْسِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّا فِي الْعِفَّةِ قَابَلْنَا بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ وَبَيْنَ أَبِي الزَّوْجِ وَأَبِي الزَّوْجَةِ وَفِي الْحِرْفَةِ قَابَلْنَا بَيْنَ الزَّوْجِ وَابْنِ الزَّوْجَةِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ وَلَا يُقَابَلُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ) أَيْ وُجُودًا وَعَدَمًا وَمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ كَمَالٌ وَنَقْصٌ يَضْمَحِلُّ كَمَالُهُ فِي جَانِبِ نَقْصِهِ كَالنَّسَبِ الْمَعِيبِ يَضْمَحِلُّ نَسَبُهُ فِي جَانِبِ عَيْبِهِ وَيُقَالُ كَذَلِكَ فِيهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الشَّارِحِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مُقَابَلَةَ كَمَالِهِ بِنَقْصِهَا وَنَقْصِهِ بِكَمَالِهَا اهـ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ أَيْضًا قَوْلُ الْمَحَلِّيِّ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ دَنَاءَةَ نَسَبِهِ تَنْجَبِرُ بِعِفَّتِهِ الظَّاهِرَةِ.
(قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهِمَا) وَهُوَ الْعَيْبُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعِفَّةُ اهـ ح ل لَكِنْ فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ الْعَيْبُ وَالْحُرِّيَّةُ لَا يَصِحُّ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ لَا مَعِيبَةً وَلَا أَمَةً فَالْحَقُّ أَنَّ الْغَيْرَ هُوَ الْعِفَّةُ فَقَطْ أَيْ عَدَمُهَا وَهُوَ الْفِسْقُ فَكَأَنَّ الشَّارِحُ قَالَ بِنَسَبٍ أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ عِفَّةِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِدُونِهَا وَبَقِيَ مِنْ الْخَمْسَةِ الِاثْنَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْلِهِ لَا مَعِيبَةً وَلَا أَمَةً وَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ مَا نَصُّهُ (فَرْعٌ)
مَتَى زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَوْ الْمَجْنُونَ بِذَاتِ عَيْبٍ مُثْبِتٍ لِلْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ التَّزْوِيجُ لِانْتِفَاءِ الْغِبْطَةِ أَوْ زَوَّجَهُ بِسَلِيمَةٍ لَا تُكَافِئُهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى صَحَّ التَّزْوِيجُ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَتَعَيَّرُ بِاسْتِفْرَاشِهِ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إلَّا الْأَمَةُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ فَلَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ بِهَا لِفَقْدِ خَوْفِ الْعَنَتِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ لَهَا بِشَرْطِهِ وَإِنْ زُوِّجَ الْمَجْنُونُ أَوْ الصَّغِيرُ بِعَجُوزٍ عَمْيَاءَ أَوْ قَطْعَاءِ الْأَطْرَافِ أَوْ بَعْضِهَا أَوْ الصَّغِيرَةُ بِهَرَمٍ أَوْ أَعْمَى أَوْ أَقْطَعَ فَوَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي صُوَرِ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُزَوِّجُهُمَا لِمَصْلَحَةٍ وَلَا مَصْلَحَةَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْكَفَاءَةِ تَصْحِيحُ الصِّحَّةِ فِي صُوَرِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ وَلِيَّهَا إنَّمَا يُزَوِّجُهَا بِالْإِجْبَارِ مِنْ الْكُفْءِ وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ كُفْءٌ فَالْمَأْخَذُ فِي هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا مُخْتَلِفٌ وَالْخَصِيُّ وَالْخُنْثَى غَيْرُ الْمُشْكِلِ كَالْأَعْمَى فِيمَا ذُكِرَ فَيَصِحُّ تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ مِنْهُمَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ الْمُشَارُ إلَيْهِ آنِفًا لَا مِثْلَ الْمَجْنُونِ بِالنُّونِ لِيُوَافِقَ مَا فِي الْأَصْلِ وَتَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكُلُّ صَحِيحٍ وَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ الْكِفَايَةِ مَعَ عَدَمِ الرِّضَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَكَالصَّغِيرَةِ فِيمَا ذُكِرَ الْكَبِيرَةُ إنْ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا مُطْلَقًا اهـ (قَوْلُهُ نَعَمْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ) أَيْ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَضَرَّرُ بِهَا لِمَا خَفِيَ عَلَى الْوَلِيِّ مِنْ لُحُوقِ الضَّرَرِ لَهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ الْبَالِغُ بِمَعِيبَةٍ يَجْهَلُ عَيْبَهَا اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ نَعَمْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (تَنْبِيهٌ)
كُلَّمَا ذُكِرَ فِي الصَّغِيرِ يَجْرِي فِي الْمَجْنُونِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ بِالْأَمَةِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ عَلَى الْأَثَرِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْغِبْطَةِ) فَلَا يَصِحُّ وَكَذَا لَا يَصِحُّ لَوْ زَوَّجَهُ عَجُوزًا شَوْهَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute