للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَجُوزُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيَجُوزُ فِيهَا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ» لَكِنَّ هَذَا كَمَا قَالَ جَمْعٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ بِ هَجْرِهَا رَدَّهَا لِحَظِّ نَفْسِهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ رَدَّهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَإِصْلَاحَ دِينِهَا فَلَا تَحْرِيمَ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُمْ إذْ النُّشُوزُ حِينَئِذٍ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ وَالْهَجْرُ فِي الْكَلَامِ لَهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَمِنْهُ «هَجْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبِيهِ وَنَهْيُهُ الصَّحَابَةَ عَنْ كَلَامِهِمْ» ، وَلَوْ ضَرَبَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ بِسَبَبِ نُشُوزٍ وَادَّعَتْ عَدَمَهُ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ فِي الْمَطْلَبِ قَالَ وَاَلَّذِي يُقَوِّي فِي ظَنِّي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ وَلِيًّا فِي ذَلِكَ.

(فَلَوْ مَنَعَهَا حَقًّا كَقَسْمٍ) وَنَفَقَةٍ (أَلْزَمَهُ قَاضٍ وَفَاءَهُ) كَسَائِرِ الْمُسْتَحَقِّينَ مِنْ أَدَاءِ الْحُقُوقِ (أَوْ أَذَاهَا) بِشَتْمٍ أَوْ نَحْوِهِ (بِلَا سَبَبٍ نَهَاهُ) عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعَزِّرْهُ لِأَنَّ إسَاءَةَ الْخُلُقِ تَكْثُرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهَا يُورِثُ وَحْشَةً بَيْنَهُمَا فَيَقْتَصِرُ أَوَّلًا عَلَى النَّهْيِ لَعَلَّ الْحَالَ يَلْتَئِمُ بَيْنَهُمَا (ثُمَّ) إنْ عَادَ إلَيْهِ (عَزَّرَهُ) بِمَا يَرَاهُ إنْ طَلَبَتْهُ.

(أَوْ ادَّعَى كُلٌّ) مِنْهُمَا (تَعَدِّيَ صَاحِبِهِ) عَلَيْهِ (مَنَعَ) الْقَاضِي (الظَّالِمَ) مِنْهُمَا (بِخَبَرِ ثِقَةٍ) خَبِيرٍ بِهِمَا مِنْ عَوْدِهِ إلَى ظُلْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ أَحَالَ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَرْجِعَا عَنْ حَالِهِمَا (فَإِنْ اشْتَدَّ شِقَاقٌ) بَيْنَهُمَا بِأَنْ دَامَا عَلَى التَّسَابِّ وَالتَّضَارُبِ (بَعَثَ) الْقَاضِي وُجُوبًا (لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (حَكَمًا بِرِضَاهُمَا وَسُنَّ) كَوْنُهُمَا (مِنْ أَهْلِهِمَا) لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمَا بَعْدَ اخْتِلَاءِ حُكْمِهِ بِهِ وَحُكْمِهَا بِهَا وَمَعْرِفَةِ مَا عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ وَيُصْلِحَا بَيْنَهُمَا أَوْ يُفَرِّقَا إنْ عَسِرَ الْإِصْلَاحُ عَلَى مَا يَأْتِي {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: ٣٥] فَإِنْ اخْتَلَفَ رَأْيُ الْحَكَمَيْنِ بَعَثَ الْقَاضِي آخَرَيْنِ لِيَجْتَمِعَا عَلَى شَيْءٍ وَالتَّصْرِيحُ بِسَنِّ كَوْنِهِمَا مِنْ أَهْلِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ زِيَادَتِي وَاعْتُبِرَ رِضَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَكَمَيْنِ وَكِيلَانِ كَمَا قُلْت (وَهُمَا وَكِيلَانِ لَهُمَا) لَا حَاكِمَانِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْفِرَاقِ وَالْبُضْعُ حَقُّ الزَّوْجِ وَالْمَالُ حَقُّ الزَّوْجَةِ وَهُمَا رَشِيدَانِ فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهِمَا فِي حَقِّهِمَا (فَيُوَكِّلُ) هُوَ (حَكَمَهُ بِطَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ وَتُوَكِّلُ) هِيَ (حَكَمَهَا بِبَذْلٍ) لِلْعِوَضِ (وَقَبُولٍ)

ــ

[حاشية الجمل]

فِيمَا يَظْهَرُ لِجَوَازِ الْهَجْرِ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَكَوْنِ الْمَهْجُورِ نَحْوَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ وَكَصَلَاحِ دِينِهِ أَوْ دِينِ الْهَاجِرِ اهـ. وَقَوْلُهُ كَكَوْنِ الْمَهْجُورِ نَحْوَ فَاسِقٍ أَيْ، وَإِنْ كَانَ هَجْرُهُ لَا يُفِيدُهُ تَرْكَ الْفِسْقِ نَعَمْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ هَجْرَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى زِيَادَةِ الْفِسْقِ فَيَنْبَغِي امْتِنَاعُهُ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَيَجُوزُ فِيهَا، وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ فِي الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّ فِي غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَنْبِيَاءِ أَمَّا هُمْ فَلَا يَجُوزُ وَلَا طُرْفَةَ عَيْنٍ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَصَاحِبِيهِ) وَهُمَا هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ حَيْثُ تَخَلَّفُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ أَيْضًا مَا جَاءَ مِنْ مُهَاجِرَةِ السَّلَفِ أَيْ وَالْخَلَفِ فَفِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ هَجَرَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ إلَى أَنْ مَاتَ وَهَجَرَتْ سَيِّدَتُنَا عَائِشَةُ سَيِّدَتَنَا حَفْصَةَ وَهَجَرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ إلَى أَنْ مَاتَ وَهَجَرَ طَاوُسٌ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ إلَى أَنْ مَاتَ وَهَجَرَ الثَّوْرِيُّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى وَكَانَ الثَّوْرِيُّ تَعَلَّمَ مِنْهُ إلَى أَنْ مَاتَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَلَمْ يَشْهَدْ جِنَازَتَهُ اهـ ح ل وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ أَنَّ الْهَجْرَ، وَلَوْ دَائِمًا لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ جَائِزٌ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَفِسْقٍ وَابْتِدَاعٍ وَإِيذَاءٍ وَزَجْرٍ وَإِصْلَاحٍ لِلْهَاجِرِ أَوَالْمَهْجُورِ كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَجَرَهُمْ وَنَهَى الصَّحَابَةُ عَنْ كَلَامِهِمْ وَهُمْ مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ أَوَّلُ أَسْمَائِهِمْ مَكَّةُ وَأَوَاخِرُ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ عَكَّةُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَضْرِبُ فِيهِ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ مَنْعِ حَقِّهِ إلَّا هَذَا وَالسَّيِّدُ فِي عَبْدِهِ وَذَلِكَ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ لَهُمَا وَعَدَمِ الِاطِّلَاعِ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ وَادَّعَى أَنَّهُ بِسَبَبِ النُّشُوزِ وَأَنْكَرَتْ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ الضَّرْبِ لَا لِسُقُوطِ نَحْوِ النَّفَقَةِ نَعَمْ إنْ عُلِمَتْ جَرَاءَتُهُ عِنْدَ النَّاسِ صُدِّقَتْ هِيَ قَالَهُ حَجّ اهـ. (قَوْلُهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ) مُعْتَمَدٌ.

(قَوْلُهُ فَلَوْ مَنَعَهَا حَقًّا إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ نُشُوزِ الزَّوْجِ وَتَعَدِّيهِ وَمَيْلِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوَاوِ لَكَانَ أَوْضَحَ إذْ لَيْسَ قَبْلَهُ مَا يَتَفَرَّعُ هُوَ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ أَلْزَمَهُ قَاضٍ وَفَاءَهُ) أَيْ إنْ كَانَ أَهْلًا فَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِكَوْنِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَلْزَمَ وَلِيَّهُ بِذَلِكَ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ أَوْ أَذَاهَا بِلَا سَبَبٍ نَهَاهُ) ، وَلَوْ كَانَ لَا يَتَعَدَّى عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ صُحْبَتُهَا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ يُعْرِضُ عَنْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُسَنُّ لَهَا اسْتِعْطَافُهُ بِمَا يَجِبُ كَأَنْ تَسْتَرْضِيَهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا كَمَا أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ إذَا كَرِهَتْ صُحْبَتَهُ لِمَا ذُكِرَ أَنْ يَسْتَعْطِفَهَا بِمَا تُحِبُّ مِنْ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا مَرَّ اهـ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ بِخَبَرِ ثِقَةٍ) كَلَامُهُ كَالرَّافِعِيِّ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ دُونَ الْعَدَدِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّهْذِيبِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ اعْتِبَارُ مَنْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِخَبَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا الشَّهَادَةِ وَأَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا صِيغَةَ شَهَادَةٍ وَلَا نَحْوَ حُضُورِ خَصْمٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِعَدْلِ الرِّوَايَةِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ خَبِيرٍ بِهِمَا) أَيْ بِسَبَبِ مُجَاوَزَتِهِ لَهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا جَارٌ ثِقَةٌ أَسْكَنَهُمَا بِجَنْبِ ثِقَةٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَعَرَّفَ حَالَهُمَا وَيُنْهِيَهَا إلَيْهِ لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ) أَيْ الظَّالِمُ مِنْهُمَا أَحَالَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا أَيْ فِي الْمَسْكَنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ لَا يَتَأَتَّى مَعَهَا قَوْلُهُ فَإِنْ اشْتَدَّ شِقَاقٌ إلَخْ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ م ر الْحَيْلُولَةَ فِي تَعَدِّي الزَّوْجِ فَقَطْ فَلَوْ جَرَى الشَّيْخُ عَلَى أُسْلُوبِهِ لَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ سَابِقًا، ثُمَّ عَزَّرَهُ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ أَحَالَ بَيْنَهُمَا إلَخْ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُمَا وَكِيلَانِ لَهُمَا) وَحِينَئِذٍ فَيَنْعَزِلَانِ بِمَا يَنْعَزِلُ بِهِ الْوَكِيلُ اهـ زي. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَالَ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْفِرَاقِ) ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْخُلْعِ وَاشْتِرَاطُ الرُّشْدِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ وَاضِحٌ لِيَتَأَتَّى بَذْلُهَا لِلْعِوَضِ. وَأَمَّا الزَّوْجُ فَلَا لِمَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ خُلْعِ السَّفِيهِ فَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ فَلَا يُوَلِّي عَلَيْهِمَا إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَكُونُ عَلَى الرَّشِيدِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ أَوْ خُلْعٍ) مِنْهُ تَعْلَمُ مُنَاسَبَةَ ذِكْرِ الْخُلْعِ عَقِبَ هَذَا الْبَابِ وَأَيْضًا الْغَالِبُ حُصُولُ الْخُلْعِ عَقِبَ الشِّقَاقِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ وَقَبُولٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>