عَنْ ثَلَاثَةٍ» (إلَّا سَكْرَانُ) فَيَصِحُّ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَلِأَنَّ صِحَّتَهُ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَأَجَابَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ فِي تَكْلِيفِ السَّكْرَانِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ هُوَ فِي أَوَائِلِ السُّكْرِ
ــ
[حاشية الجمل]
مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ عَدَمُ وُقُوعِ طَلَاقِهِمْ يَلْزَمُهُ عَدَمُ حُرْمَةِ الزَّوْجَةِ بَعْدَ زَوَالِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ فَكَأَنَّ الْحَدِيثَ قَالَ إذَا طَلَّقَ الصَّبِيُّ زَوْجَتَهُ ثُمَّ بَلَغَ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَقِيَّةِ (قَوْلُهُ عَنْ ثَلَاثَةٍ) تَتِمَّتُهُ «عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» صَحَّحَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَيْثُ رُفِعَ عَنْهُمْ الْقَلَمُ بَطَلَ تَصَرُّفُهُمْ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: إلَّا سَكْرَانُ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءٍ مُنْقَطِعًا مِنْ مَنْطُوقِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ وَالتَّقْدِيرُ يَصِحُّ الطَّلَاقُ مِنْ مُكَلَّفٍ إلَّا السَّكْرَانُ أَيْ لَكِنَّ السَّكْرَانَ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا مِنْ الْمَفْهُومِ كَمَا قَالَهُ الْعَنَانِيُّ وَالتَّقْدِيرُ شَرْطُ الطَّلَاقِ التَّكَلُّفُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا السَّكْرَانُ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْغَيْرِ كَمَا يَقْتَضِيه صَنِيعُ الشَّارِحِ اهـ ب ش (قَوْلُهُ: إلَّا سَكْرَانُ فَيَصِحُّ مِنْهُ إلَخْ) اسْتَثْنَى ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ نُفُوذِ طَلَاقِهِ مَا لَوْ طَلَّقَ بِكِنَايَةٍ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى النِّيَّةِ كَمَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَأَقَرَّهُ جَمْعٌ مِنْ عَدَمِ نُفُوذِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ بِالْكِنَايَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ مِنْهُ فَمَحَلُّ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ السَّابِقِ إنَّمَا هُوَ بِالصَّرَائِحِ فَقَطْ مَرْدُودٌ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ بِأَنَّ الصَّرِيحَ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ لَفْظِهِ لِمَعْنَاهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَالسَّكْرَانُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَيْضًا فَكَمَا أَوْقَعُوهُ بِهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِذَلِكَ فَكَذَلِكَ هِيَ وَكَوْنُهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَصْدَانِ وَهُوَ قَصْدٌ وَاحِدٌ لَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ أَنَّ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ اقْتَضَى الْوُقُوعَ عَلَيْهِ بِالصَّرِيحِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِيهَا اهـ وَقَوْلُهُ فَكَذَلِكَ هِيَ أَيْ الْكِنَايَةُ فَيَقَعُ بِهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ بِأَنْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسٍ أَنَّهُ نَوَى سَوَاءٌ أَخْبَرَ فِي حَالِ السُّكْرِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَيْ الْكِنَايَةِ وَهُوَ أَيْ الصَّرِيحُ وَقَوْلُهُ مَوْجُودٌ فِيهَا أَيْ الْكِنَايَةِ اهـ ع ش عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ الرَّشِيدِيُّ عَلَيْهِ أَيْضًا وسم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالصَّوَابُ امْتِنَاعُ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَهُوَ مَنْ لَا يَدْرِي اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَهُوَ مَنْ لَا يَدْرِي يَدْخُلُ فِيهِ السَّكْرَانُ تَعَدِّيًا فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَإِمَامُهُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْ أَكَابِرِ فُقَهَائِنَا كَشَيْخَيْ الْمَذْهَبِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَفَّالِ وَآخَرِينَ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ نَصِّ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْهُ الْعُقُودُ كَالْبَيْعِ وَالْحُلُولُ كَالطَّلَاقِ.
وَذَلِكَ أَثَرُ التَّكْلِيفِ قُلْت التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَعْنَوِيٌّ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ عَنَى أَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا حَالَ عَدَمِ فَهْمِهِ خِطَابَ تَكْلِيفٍ لِاسْتِحَالَتِهِ وَجَعَلَ مُؤَاخَذَتَهُ بِمَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِتَسَبُّبِهِ إلَى إزَالَةِ عَقْلِهِ بِمُحَرَّمٍ قَصْدًا وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مُكَلَّفٌ عَنَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ حُكْمًا أَيْ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ فَيُؤَاخَذُ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ فِي سُكْرِهِ تَغْلِيظًا كَمَا مَرَّ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ مُؤَاخَذَتُهُ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي التَّعْرِيفِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَطَالَ الْقَوْلَ فِي تَقْرِيرِ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ قَالَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ لَكِنْ بَعْدَ السُّكْرِ بِمَا كَانَ فِي السُّكْرِ (قَوْلُهُ: مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ طَلَاقَهُ عَلَامَةً لِلْمُفَارَقَةِ وَقَتْلَهُ سَبَبًا لِلْغَرَامَةِ وَإِتْلَافَهُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ كَقَتْلِ الصَّبِيِّ وَإِتْلَافِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ: رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ السَّبَبُ هُوَ الْوَصْفُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الْمُعَرِّفُ لِلْحُكْمِ وَهُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ الَّذِي يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ كَالزَّوَالِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَالزِّنَا لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَمَعْنَى خِطَابِ الْوَضْعِ أَنَّ اللَّهَ وَضَعَهُ فِي شَرِيعَتِهِ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ بِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ تَيْسِيرًا لَنَا، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ مُغَيَّبَةٌ عَنَّا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْوَضْعِ هُوَ قَضَاءُ الشَّارِعِ عَلَى الْوَصْفِ بِكَوْنِهِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ مَانِعًا وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ طَلَبُ أَدَاءِ مَا تَقَرَّرَ بِالْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْته أَنَّ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ فِي تَصَرُّفَاتِ السَّكْرَانِ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ مَعْنَاهُ أَنَّ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ أَسْبَابٌ مُعَرِّفَاتٍ لِلْأَحْكَامِ بِتَرَتُّبِهَا عَلَيْهَا اهـ م ر فَتَاوَى أَيْ أَنَّهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ) أَيْ تَعْلِيقِهَا بِالْأَسْبَابِ وَالْحُكْمُ هُنَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَسَبَبُهُ التَّلَفُّظُ بِهِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute