للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ الْمُنْتَشِي لِبَقَاءِ عَقْلِهِ وَانْتِفَاءِ تَكْلِيفِ السَّكْرَانِ لِانْتِفَاءِ الْفَهْمِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ وَالْمُرَادُ بِالسَّكْرَانِ الَّذِي يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَنِكَاحُهُ وَنَحْوُهُمَا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَا أَثِمَ بِهِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ وَيَرْجِعُ فِي حَدِّهِ إلَى الْعُرْفِ، فَإِذَا انْتَهَى تَغَيُّرُ الشَّارِبِ إلَى حَالَةٍ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّكْرَانِ عُرْفًا فَهُوَ مَحَلُّ الْكَلَامِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ الَّذِي اخْتَلَّ كَلَامُهُ الْمَنْظُومُ وَانْكَشَفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ.

(وَاخْتِيَارٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ، وَإِنْ لَمْ يُوَرِّ) لِإِطْلَاقِ خَبَرِ

ــ

[حاشية الجمل]

ع ش عَلَى م ر أَيْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ الْخِطَابُ الْوَارِدُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ مَانِعًا أَوْ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا فَكَانَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي أَنْ يَقَعَ مِنْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِخِطَابِ الْوَضْعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِالْأَسْبَابِ أَيْ الْمُنْضَمِّ إلَيْهَا تُعَدُّ مِنْ الْمُخَاطَبِ فَيَخْرُجُ الصَّبِيُّ اهـ شَيْخُنَا.

وَمُقْتَضَى هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يَقَعَ مِنْ الْمَجْنُونِ الْمُتَعَدِّي وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ وَفِي شَرْحِ م ر مَا نَصُّهُ وَنُفُوذُ تَصَرُّفَاتِهِ لَهُ وَعَلَيْهِ الدَّالُ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى مُؤَاخَذَتِهِ بِالْقَذْفِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ رَبْطُ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ وَالْحَقُّ مَا لَهُ بِمَا عَلَيْهِ طَرْدُ اللُّبَابِ فَلَا يَرِدُ النَّائِمُ وَالْمَجْنُونُ عَلَى أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ قَدْ لَا يَعُمُّهُمَا كَكَوْنِ الْقَتْلِ سَبَبًا لِلْقِصَاصِ اهـ وَقَوْلُهُ كَكَوْنِ الْقَتْلِ سَبَبًا لِلْقِصَاصِ فَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ إذَا قَتَلَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّ وُجُودَ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَيْ فَحَيْثُ دَخَلَ التَّخْصِيصُ فِي شَأْنِهِمَا بِعَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ الْقِصَاصِ أَمْكَنَ التَّخْصِيصُ بِغَيْرِهِ لِمَعْنًى يَقْتَضِيه كَمَا هُنَا اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُنْتَشِي لِبَقَاءِ عَقْلِهِ) وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَشِي يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَأَيْضًا يَلْزَمُ نَهْيُ الْمُنْتَشِي عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ اهـ ح ل وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلْمُنْتَشِي الَّذِي صَحْوُهُ يَسِيرٌ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ جَمِيعَ الصَّلَاةِ فَنُهِيَ عَنْ ابْتِدَائِهَا لِئَلَّا تَبْطُلَ فِي أَثْنَائِهَا بِتَغَيُّرِ حَالِهِ اهـ شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُنْتَشِي) بِنُونٍ فَوْقِيَّةٍ فَمُعْجَمَةٍ مِنْ النَّشْوَةِ أَيْ الطَّرِبِ وَهَذِهِ أَوَّلُ حَالَاتِهِ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَسْقُطَ كَالْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ وَالثَّانِيَةُ بَيْنَهُمَا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

وَقَوْلُهُ مِنْ النَّشْوَةِ بِالْوَاوِ لَا بِالْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّ نَشَأَ بِهَذَا الْمَعْنَى مَقْصُورٌ لَا مَهْمُوزٌ وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ الْمُخْتَارُ فِي بَابِ الْمَقْصُورِ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ النَّشْوَةُ السُّكْرُ وَرَجُلٌ نَشْوَانُ وَامْرَأَةٌ نَشْوَى وَالْجَمْعُ نُشَاوَى مِثْلُ سَكْرَى وَسُكَارَى وَزْنًا وَمَعْنًى اهـ ثُمَّ قَالَ وَنَشَأَ الشَّيْءُ نَشْوًا مَهْمُوزٌ مِنْ بَابِ نَفَعَ حَدَثَ وَتَجَدَّدَ وَأَنْشَأْته أَحْدَثْته وَالِاسْمُ النَّشْأَةُ وَالنَّشَاءَةُ وِزَانُ تَمْرَةٍ وَسَلَامَةٍ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالسَّكْرَانِ) أَيْ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي تَكْلِيفِهِ هُوَ الْمُتَعَدِّي (قَوْلُهُ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ) أَيْ تَمْيِيزُهُ لَا الْغَرِيزِيِّ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْجُنُونُ (قَوْلُهُ: بِمَا أَثِمَ بِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِي نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِاعْتِقَادِهِ الْحِلَّ وَإِقْرَارُنَا إيَّاهُ عَلَى شُرْبِهِ لَيْسَ لِحِلِّ ذَلِكَ لَهُ بَلْ لِكَوْنِ الْجِزْيَةِ مَأْخُوذَةٌ فِي مُقَابَلَةِ كَفِّ الْأَذَى عَنْهُمْ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ فِي حَدِّهِ إلَى الْعُرْفِ إلَخْ) قَدْ وَجَدْت بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ مَا نَصُّهُ (فَائِدَةٌ)

السُّكْرُ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ تَحْصُلُ مِنْ اسْتِيلَاءِ أَبْخِرَةٍ مُتَصَاعِدَةٍ مِنْ الْمَعِدَةِ عَلَى مَعَادِنِ الْفِكْرِ اهـ دَمِيرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ الَّذِي اخْتَلَّ كَلَامُهُ إلَخْ) وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى السُّكْرِ اهـ ح ل

(قَوْلُهُ: وَاخْتِيَارٌ) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ تَوَهَّمَ بَعْضُ الضَّعَفَةِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَيْدِ الِاخْتِيَارِ مَعَ قَيْدِ التَّكْلِيفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالتَّكْلِيفِ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ لَا الْمَعْنَى الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِمْ الْمُكْرَهُ مُكَلَّفٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ اهـ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت اهـ شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْأَصَحُّ بِأَنْ امْتَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ وَلَوْ بِاللِّسَانِ بِأَنْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ طَبِيعِيٌّ بِأَنْ يَقُولَ: إذَا قَدَرْت فِئْت أَوْ مِنْ الطَّلَاقِ فَقَطْ بِأَنْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ كَإِحْرَامٍ وَصَوْمٍ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ حِينَئِذٍ بِفَيْئَةٍ حَتَّى لَوْ قَالَ: إذَا انْقَضَى إحْرَامِي أَوْ صَوْمِي وَطِئْت لَا يَكْتَفِي مِنْهُ بِذَلِكَ فَأَكْرَهَهُ الْقَاضِي عَلَى الطَّلَاقِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ تَمَكُّنُ الْقَاضِي مِنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِنَفْسِهِ كَذَا ذَكَرُوا وَلِلرَّافِعِيِّ فِيهِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ ذَكَرَهُ فِي تَحْرِيرِ الْفَتَاوَى مُحَصِّلُهُ أَنَّ الْمَوْلَى يَجْبُرُهُ الْقَاضِي حَتَّى إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْفَيْئَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْزِمَهُ بِالطَّلَاقِ عَيْنًا اهـ ح ل.

(فَرْعٌ) لَوْ قَالَ طَلَّقْت مُكْرَهًا فَأَنْكَرَتْ زَوْجَتُهُ وَهُنَاكَ قَرِينَةٌ كَالْحَبْسِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَلَا كَدَعْوَى الْإِغْمَاءِ بِأَنْ طَلَّقَ مَرِيضٌ ثُمَّ قَالَ كُنْت مُغْمًى عَلَيَّ، فَإِنَّهُ إنْ عُهِدَ لَهُ إغْمَاءٌ قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ ادَّعَى الصِّبَا وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ اهـ مِنْ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُوَرِّ) أَيْ فَلَا تَلْزَمُهُ التَّوْرِيَةُ فَلَوْ تَرَكَهَا عَالِمًا بِهَا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ دَهْشَةٍ أَصَابَتْهُ بِالْإِكْرَاهِ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى اللَّفْظِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>