عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَسْبُهُ الْمُبَاحُ الْفَاضِلُ عَنْ مُؤْنَتِهِ إنْ جُعِلَتْ مِنْ كَسْبِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ لَمَّا حَجَمَهُ صَاعَيْنِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ» (بِتَرَاضٍ) فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إجْبَارُ الْآخَرِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاعْتُبِرَ فِيهَا التَّرَاضِي كَالْكِتَابَةِ (وَهِيَ ضَرْبُ خَرَاجٍ مَعْلُومٍ يُؤَدِّيهِ) مِنْ كَسْبِهِ (كُلَّ يَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ) كَأُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، وَقَوْلِي (ضَرْبُ) مَعَ (مَعْلُومٍ) مِنْ زِيَادَتِي، وَقَوْلِي: أَوْ نَحْوِهِ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ أُسْبُوعٍ (وَعَلَيْهِ كِفَايَةُ دَوَابِّهِ الْمُحْتَرَمَةِ) بِعَلَفِهَا وَسَقْيِهَا
ــ
[حاشية الجمل]
الشَّاقَّةِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْهَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ يَجُرُّ إتْلَافَهُ أَوْ مَرَضَهُ الشَّدِيدَ، وَفِي ذَلِكَ تَفْوِيتُ مَالِيَّةٍ عَلَى السَّيِّدِ بِتَمَكُّنِهِ فَنُسِبَ إلَيْهِ فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ بَاشَرَ إتْلَافَهُ اهـ ع ش عَلَى م ر
وَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ مَا نَصُّهُ وَيَتَّبِعُ السَّيِّدُ فِي تَكْلِيفِهِ رَقِيقَهُ مَا يُطِيقُهُ الْعَادَةَ فِي إرَاحَتِهِ فِي وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ وَفِي الْعَمَلِ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَيُرِيحُهُ مِنْ الْعَمَلِ إمَّا لَيْلًا إنْ اسْتَعْمَلَهُ نَهَارًا أَوْ نَهَارًا إذَا اسْتَعْمَلَهُ لَيْلًا، وَإِنْ اعْتَادُوا أَيْ السَّادَةُ الْخِدْمَةَ مِنْ الْأَرِقَّاءِ نَهَارًا مَعَ طَرَفَيْ اللَّيْلِ لِطُولِهِ اُتُّبِعَتْ عَادَتُهُمْ وَعَلَى الْعَبْدِ بَذْلُ الْجَهْدِ، وَتَرْكُ الْكَسَلِ فِي الْخِدْمَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَسْبُهُ الْمُبَاحُ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَسْبٌ مُبَاحٌ دَائِمٌ يَفِي بِالْخَرَاجِ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا فِيهِ فَإِنْ زَادَ كَسْبُهُ عَلَى ذَلِكَ فَالزِّيَادَةُ بِرٌّ وَتَوْسِيعٌ مِنْ سَيِّدِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لَوْ كَانَ حُرًّا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ خَارَجَهُ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَمْ يَجُزْ وَيُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ بِعَدَمِ مُعَاوَضَتِهِ وَيَجْبُرُ النَّقْصَ فِي بَعْضِ الْإِيَامِ بِالزِّيَادَةِ فِي بَعْضِهَا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مُؤْنَتَهُ تَجِبُ حَيْثُ شُرِطَتْ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الْمَمْلُوكُ لِمَالِكِهِ: رَبِّي بَلْ يَقُولُ: سَيِّدِي وَمَوْلَايَ وَأَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ: عَبْدِي وَأَمَتِي بَلْ يَقُولُ: غُلَامِي وَجَارِيَتِي أَوْ فَتَايَ وَفَتَاتِي، وَلَا كَرَاهَةَ فِي إضَافَةِ رَبٍّ إلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَرَبِّ الدَّارِ وَرَبِّ الْغَنَمِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لِلْفَاسِقِ أَوْ الْمُتَّهَمِ فِي دِينِهِ يَا سَيِّدِي انْتَهَتْ، وَقَوْلُهُ وَأَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ عَبْدِي وَأَمَتِي لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْعَبْدِيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا لَهُ تَعَالَى، وَالْأَمَةُ فِي الْأُنْثَى بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ فِي الذَّكَرِ اهـ رَشِيدِيٌّ عَلَيْهِ، وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(فَرْعٌ)
يُكْرَهُ الدُّعَاءُ عَلَى النَّفْسِ وَالرَّقِيقِ وَالْمَالِ وَالْخَادِمِ وَالْوَلَدِ وَيَحْرُمُ الْأَذَى لَهُمْ بِلَا سَبَبٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ «إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ دُعَاءَ حَبِيبٍ عَلَى حَبِيبِهِ» فَضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «دَخَلَ أَوْسُ بْنُ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي بَنَاتٍ، وَأَنَا أَدْعُو عَلَيْهِنَّ بِالْمَوْتِ فَقَالَ لَهُ: لَا تَدْعُ عَلَيْهِنَّ بِالْمَوْتِ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ فِي الْبَنَاتِ هُنَّ الْمُجَمِّلَاتُ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَالْمُنْعِيَاتُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَالْمُمَرِّضَاتُ عِنْدَ الشِّدَّةِ ثِقَلُهُنَّ عَلَى الْأَرْضِ وَرِزْقُهُنَّ عَلَى اللَّهِ» اهـ (قَوْلُهُ: إنْ جُعِلَتْ) أَيْ الْمُؤْنَةُ مِنْ كَسْبِهِ، وَأَمَّا إذَا جُعِلَتْ عَلَى السَّيِّدِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُخَارَجَةُ فَاضِلَةً عَنْ الْكَسْبِ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ كَانَ لِلزُّبَيْرِ أَلْفُ مَمْلُوكٍ يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ مِنْ خَرَاجِهِمْ شَيْئًا بَلْ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهِ وَمَعَ ذَلِكَ بَلَغَتْ تَرِكَتُهُ خَمْسِينَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ) يُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِهَا عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ اعْتِبَارُ الصِّيغَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَأَنَّ صَرِيحَهَا خَارَجْتُكَ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ وَأَنَّ كِنَايَتَهَا بَادَلْتُكَ عَنْ كَسْبِكَ بِكَذَا وَنَحْوُهُ اهـ شَرْحُ م ر لَكِنَّهَا أَيْ الْمُخَارَجَةَ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا أَيْ الْكِتَابَةَ تُؤَدِّي إلَى الْعِتْقِ فَأَلْزَمْنَاهَا مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ لِئَلَّا تَبْطُلَ فَائِدَتُهَا بِخِلَافِ الْمُخَارَجَةِ لَا تُؤَدِّي لَهُ اهـ س ل
(قَوْلُهُ: وَهِيَ ضَرْبُ خَرَاجٍ مَعْلُومٍ إلَخْ) وَلَهُ التَّبَسُّطُ بِمَا زَادَ عَلَى مَا خَارَجَهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ بِهِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ: وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَالْحُرِّ.
وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا وَالزِّيَادِيِّ عَلَيْهِ بِرٌّ وَتَوْسِيعٌ لَهُ مِنْ سَيِّدِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْزِعَ ذَلِكَ مِنْهُ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ عَلَى م ر فَيَجُوزُ لِلرَّقِيقِ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ لِلسَّيِّدِ نَزْعَهُ مِنْهُ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ: وَهِيَ ضَرْبُ خَرَاجٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْخَرَاجَ الَّذِي يُؤَدِّيهِ لَا يُقَالُ فِيهِ: إنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ أَدَاءِ الشَّيْءِ كَوْنُ الْمُؤَدَّى ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ بِشَهَادَةِ صُوَرٍ كَثِيرَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ أَلَا تَرَى إلَى نَفَقَةِ الْقَرِيبِ، وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ اهـ شَوْبَرِيٌّ، وَظَاهِرُ هَذَا يَعُمُّ الْخَرَاجَ الَّذِي مَضَى وَلَمْ يُؤَدِّهِ كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ مَضَتْ، وَلَمْ يَدْفَعْ لَهَا خَرَاجًا، وَكَانَتْ شُبْهَتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ شَيْءٌ لَكِنَّهُمْ قَدْ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا كَثِيرَةً فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهَا، وَأَنَّ مَا مَضَى وَلَمْ يُؤَدِّهِ يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ) أَيْ مَالِكِ دَوَابَّ لَمْ يُرِدْ بَيْعَهَا وَلَا ذَبْحَ مَا يَحِلُّ مِنْهَا كِفَايَةُ دَوَابِّهِ الْمُحْتَرَمَةِ أَيْ، وَإِنْ وَصَلَتْ إلَى حَدِّ الزَّمَانَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِوَجْهٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَفُهَا وَسَقْيُهَا حَتَّى تَصِلَ لِأَوَّلِ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ دُونَ غَايَتِهِمَا، وَيَجُوزُ غَصْبُ الْعَلَفِ لَهَا، وَغَصْبُ الْخَيْطِ لِجِرَاحَتِهَا بِبَدَلِهِمَا أَيْ وَقْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute