فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ وَوَقَعَ بِهَا) فَهَلَكَ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) مِنْ السَّبَبَيْنِ بِحَالِ الْهَلَاكِ وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ الْوَضْعُ لِأَنَّ الْعُثُورَ بِمَا وَضَعَ هُوَ الَّذِي أَلْجَأَهُ إلَى الْوُقُوعِ فِيهَا الْمُهْلِكِ فَوَضْعُ الْحَجَرِ سَبَبٌ أَوَّلٌ لِلْهَلَاكِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ سَبَبٌ ثَانٍ لَهُ (فَإِنْ وَضَعَهُ بِحَقٍّ) كَأَنْ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ (فَالْحَافِرُ) هُوَ الضَّامِنُ لِأَنَّهُ الْمُتَعَدِّي وَلِلرَّافِعِيِّ فِيهِ بَحْثٌ ذَكَرْتُهُ مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ.
(وَلَوْ وَضَعَ) وَاحِدٌ (حَجَرًا) فِي طَرِيقٍ (وَآخَرَانِ حَجَرًا) بِجَنْبِهِ (فَعَثَرَ بِهِمَا آخَرُ فَالضَّمَانُ) لَهُ (أَثْلَاثٌ) بِعَدَدِ الْوَاضِعِينَ (أَوْ وَضَعَ حَجَرًا) فِي طَرِيقٍ (فَعَثَرَ بِهِ غَيْرُهُ فَدَحْرَجَهُ فَعَثَرَ بِهِ آخَرُ) فَهَلَكَ (ضَمِنَهُ الْمُدَحْرِجُ) لِأَنَّ الْحَجَرَ إنَّمَا حَصَلَ ثَمَّ بِفِعْلِهِ (وَلَوْ عَثَرَ) مَاشٍ (بِقَاعِدٍ أَوْ نَائِمٍ أَوْ وَاقِفٍ بِطَرِيقٍ اتَّسَعَ وَمَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا هَدَرَ عَاثِرٌ) لِنِسْبَتِهِ إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ الْمَعْثُورِ بِهِ لَا يَهْدِرُ وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَهْدِرُ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا (فَإِنْ ضَاقَ) الطَّرِيقُ (هَدَرَ قَاعِدٌ وَنَائِمٌ) لِتَقْصِيرِهِمَا لَا عَاثِرٌ بِهِمَا لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ (وَضَمِنَ وَاقِفٌ) لِأَنَّ الْوُقُوفَ مِنْ مَرَافِقِ الطَّرِيقِ لَا عَاثِرٍ بِهِ لِتَقْصِيرِهِ نَعَمْ إنْ انْحَرَفَ الْوَاقِفُ إلَى الْمَاشِي فَأَصَابَهُ فِي انْحِرَافِهِ وَمَاتَا فَكَمَاشِيَيْنِ اصْطَدَمَا وَحُكْمُهُ يَأْتِي عَلَى الْأَثَرِ.
ــ
[حاشية الجمل]
لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَوْ حَالٌ بِتَأْوِيلِهِ بِمُتَعَدٍّ وَجَعَلَهُ الشَّارِحُ رَاجِعًا لِكُلٍّ مِنْ الْحَفْرِ وَالْوَضْعِ وَلَوْ قَصَرَهُ عَلَى الْوَضْعِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْمَتْنِ لَكَانَ أَوْلَى إذْ التَّعَدِّي بِالْحَفْرِ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ عَدَمُ الضَّمَانِ عِنْدَ عَدَمِ التَّعَدِّي بِهِ أَوْلَى هَكَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ شَرْحِ م ر (قَوْلُهُ فَعَثَرَ بِهِ) مُثَلَّثُ الثَّاءِ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَمُضَارِعُهُ مِثْلُهُ اهـ شَوْبَرِيٌّ لَكِنَّ الَّذِي فِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَقَتَلَ وَأَنَّ الْمَصْدَرَ الْعِثَارُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ سَبَبٌ أَوَّلُ) الْمُرَادُ بِهِ الْمُلَاقِي لِلتَّالِفِ أَوَّلًا لَا الْمَفْعُولُ أَوَّلًا لِأَنَّ الْعَثْرَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فَكَأَنَّ وَاضِعَهُ أَخَذَهُ وَرَدَّاهُ فِيهَا اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَلِلرَّافِعِيِّ فِيهِ بَحْثٌ إلَخْ) فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْحَافِرُ أَيْضًا كَمَا لَوْ كَانَ الْوَاضِعُ لِلْحَجَرِ سَيْلًا أَوْ سَبُعًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِنَّ الْعَاثِرَ يَهْدِرُ اهـ ح ل وَفَارَقَ حُصُولُ الْحَجَرِ عَلَى طَرَفِهَا بِنَحْوِ سَبُعٍ أَوْ حَرْبِيٍّ أَوْ سَيْلٍ بِأَنَّ الْوَاضِعَ هُنَا أَهْلٌ لِلضَّمَانِ فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ لِانْتِفَاءِ تَعْدِيَةِ شَرِيكِهِ بِخِلَافِ السَّيْلِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ أَهْلٍ لِلضَّمَانِ أَصْلًا فَسَقَطَ الضَّمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ اهـ شَرْحُ م ر وَهَذَا حَاصِلُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ ثُمَّ قَالَ م ر وَلَا يُنَافِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا بِمِلْكِهِ وَوَضَعَ آخَرُ فِيهَا سِكِّينًا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ أَمَّا الْمَالِكُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْوَاضِعُ فَلِأَنَّ السُّقُوطَ فِي الْبِئْرِ هُوَ الْمُفْضِي لِلسُّقُوطِ عَلَى السِّكِّينِ فَكَانَ الْحَافِرُ كَالْمُبَاشِرِ وَالْآخَرُ كَالْمُتَسَبِّبِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَوَابِ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى تَعَدِّي الْوَاقِعِ بِمُرُورِهِ أَوْ كَانَ النَّاصِبُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ نَعَمْ قَدْ تُشْكِلُ مَسْأَلَةُ السَّيْلِ وَنَحْوِهِ بِقَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ لَوْ بَرَزَتْ بَقْلَةٌ فِي الْأَرْضِ فَتَعَثَّرَ بِهَا مَارٌّ وَسَقَطَ عَلَى حَدِيدَةٍ مَنْصُوبَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَدِيدَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا شَاذٌّ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ أَيْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاضِعِ الْحَدِيدَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَوْ بِأَنَّ الْبَقْلَةَ لَمَّا كَانَتْ بَعِيدَةَ التَّأْثِيرِ فِي الْقَتْلِ فَزَادَ أَثَرُهَا بِخِلَافِ الْحَجَرِ وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَأُلْقِيَ رَجُلٌ عَلَيْهَا فَهَلَكَ ضَمِنَهُ الْمُلْقِي لَا صَاحِبُ السِّكِّينِ إلَّا إنْ تَلَقَّاهُ بِهَا وَلَوْ وَقَفَا عَلَى بِئْرٍ فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَلَمَّا هَوَى جَذَبَ مَعَهُ الدَّافِعَ فَسَقَطَا وَمَاتَا فَإِنْ جَذَبَهُ طَمَعًا فِي التَّخَلُّصِ وَكَانَتْ الْحَالُ تُوجِبُ ذَلِكَ فَهُمَا ضَامِنَانِ خِلَافًا لِلصَّيْمَرِيِّ وَإِنْ جَذَبَهُ لَا لِذَلِكَ بَلْ لِإِتْلَافِ الْمَجْذُوبِ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَى خَلَاصِ نَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ كَمَا لَوْ تَجَارَحَا وَمَاتَا اهـ.
(قَوْلُهُ فَعَثَرَ بِهِمَا) أَيْ مَعًا كَمَا يُشِيرُ لَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ بِجَنْبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَثَرَ بِالْحَجَرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ عَثَرَ فِي الثَّانِي فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الثَّانِي اهـ ح ل (قَوْلُهُ فَالضَّمَانُ لَهُ أَثْلَاثٌ) وَإِنْ تَفَاوَتَتْ أَفْعَالُهُمْ كَالْجِرَاحَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ بِجَامِعِ تَأْثِيرِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْبَاطِنِ إذْ الْوُقُوعُ مُؤَثِّرٌ فِي الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ زَعْمُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ هَذَا كَالضَّرَبَاتِ بِجَامِعِ التَّأْثِيرِ فِي ظَاهِرِ الْبَدَنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِشَيْخِنَا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم (قَوْلُهُ ضَمِنَهُ الْمُدَحْرِجُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا أَوْ قَصَدَ إزَالَتَهُ مِنْ الطَّرِيقِ لِمُنْعَطَفٍ فَعَادَ إلَيْهَا اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَثَرَ بِقَاعِدٍ أَوْ نَائِمٍ أَوْ وَاقِفٍ بِطَرِيقٍ) أَيْ لِغَيْرِ غَرَضٍ فَاسِدٍ وَقَوْلُهُ فَإِنْ ضَاقَ الطَّرِيقُ أَيْ أَوْ اتَّسَعَ وَوَقَفَ أَوْ نَامَ أَوْ قَعَدَ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ كَسَرِقَةٍ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَمَحَلُّ إهْدَارِ الْقَاعِدِ وَنَحْوِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذَا كَانَ فِي مَتْنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ بِمُنْعَطَفٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَى تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا وَلَوْ عَثَرَ بِجَالِسٍ لِمَا لَا يُنَزَّهُ عَنْهُ ضَمِنَهُ الْعَاثِرُ وَهَدَرَ كَمَا لَوْ جَلَسَ بِمِلْكِهِ فَعَثَرَ بِهِ مَنْ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَنَائِمٌ بِهِ مُعْتَكِفًا كَجَالِسٍ، وَجَالِسٌ لِمَا يُنَزَّهُ عَنْهُ وَنَائِمٌ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ كَنَائِمٍ بِطَرِيقٍ فَيُفَصَّلُ فِيهِ بَيْنَ وَاسِعٍ وَضَيِّقٍ اهـ شَرْحُ م ر.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ مَتْنًا وَشَرْحًا وَالْمَسْجِدُ بِالنِّسْبَةِ لِقَاعِدٍ وَقَائِمٍ فِيهِ وَكَذَا نَائِمٌ مُعْتَكِفٌ فِيهِ كَالْمِلْكِ لَهُمْ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْعَاثِرِ دِيَتُهُمْ وَهُوَ مُهْدَرٌ وَفِي تَشْبِيهُ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ رَمْزٌ إلَى أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ لَهُ الْمُكْثُ بِالْمَسْجِدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ كَجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَكَافِرٍ دَخَلَ بِلَا إذْنٍ وَالْمَسْجِدُ لِنَائِمٍ فِيهِ غَيْرِ مُعْتَكِفٍ وَقَائِمٍ أَوْ قَاعِدٍ فِيهِ لِمَا يُنَزَّهُ عَنْهُ الْمَسْجِدُ كَالطَّرِيقِ فَيُفَصَّلُ فِيهِ بَيْنَ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ كَمَا مَرَّ وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ الْقَائِمُ فِيهِ لِذَلِكَ فَكَالْقَاعِدِ فِي ضَيِّقٍ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ بِطَرِيقٍ اتَّسَعَ) بِأَنْ لَمْ تَتَضَرَّرْ الْمَارَّةُ بِنَحْوِ النَّوْمِ فِيهِ أَوْ كَانَ بِمَوَاتٍ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ) مُعْتَمَدٌ اهـ ع ش (قَوْلُهُ فَلَمْ يَفْرُقُ بَيْنَهُمَا) فِي الْمُخْتَارِ فَرَقَ الشَّيْءَ مِنْ بَابِ نَصَرَ اهـ (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ انْحَرَفَ الْوَاقِفُ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْمَاشِي فَأَصَابَهُ فِي انْحِرَافِهِ أَوْ انْحَرَفَ إلَيْهِ فَأَصَابَهُ بَعْدَ تَمَامِ انْحِرَافِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَاشِي فَقَطْ اهـ س ل وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَثَرِ) فِي الْمِصْبَاحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute