للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَتَأْخِيرِ الْجَلْدِ لِمَا مَرَّ مَعَ مَا ذُكِرَ مَعَهُ يَأْتِي هُنَا.

(وَيَثْبُتُ) الزِّنَا (بِإِقْرَارٍ) حَقِيقِيٍّ (وَلَوْ مَرَّةً) ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ هُوَ وَالْبُخَارِيُّ خَبَرَ «وَاغْدُ يَا أَنِيسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» عَلَّقَ الرَّجْمَ عَلَى مُجَرَّدِ الِاعْتِرَافِ، وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ عَلَى مَاعِزٍ فِي خَبَرِهِ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي عَقْلِهِ وَلِهَذَا قَالَ أَبِكَ جُنُونٌ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْإِقْرَارِ مُفَصَّلًا كَالشَّهَادَةِ (أَوْ بِبَيِّنَةٍ) لَا آيَةَ {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: ١٥] ، وَكَذَا بِلِعَانِ الزَّوْجِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ إنْ لَمْ تُلَاعِنْ كَمَا مَرَّ فَلَا يَثْبُتُ بِعِلْمِ الْقَاضِي فَلَا يَسْتَوْفِيهِ بِعِلْمِهِ أَمَّا السَّيِّدُ فَيَسْتَوْفِيه مِنْ رَقِيقِهِ بِعِلْمِهِ

لِمَصْلَحَةِ تَأْدِيبِهِ

(وَلَوْ أَقَرَّ) بِالزِّنَا (ثُمَّ رَجَعَ) عَنْ ذَلِكَ (سَقَطَ) الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَرَّضَ لِمَاعِزٍ بِالرُّجُوعِ بِقَوْلِهِ لَعَلَّك قَبَّلْت لَعَلَّك لَمَسْت أَبِكَ جُنُونٌ» (لَا إنْ هَرَبَ أَوْ قَالَ لَا تَحُدُّونِي) فَلَا يَسْقُطُ لِوُجُودِ مُثْبِتِهِ مَعَ عَدَمِ تَصْرِيحِهِ بِرُجُوعِهِ

ــ

[حاشية الجمل]

إلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَلَى مُلْتَزِمٍ لِلْأَحْكَامِ، وَلَوْ حُكْمًا اهـ ح ل. (قَوْلُهُ مِنْ اعْتِبَارِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) أَيْ بِتَمَامِهَا فَلَا تُنَصَّفُ كَالْحَدِّ وَقَوْلُهُ يَأْتِي هُنَا أَيْ فَيُقَالُ وَيُغَرَّبُ غَيْرُ الْحُرِّ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ وَيَجِبُ تَأْخِيرُ جَلْدِهِ لِحَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ وَمَرَضٍ إنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ وَإِلَّا جُلِدَ بِعِثْكَالٍ وَهَكَذَا إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ فَجَمِيعُ هَذَا يَأْتِي هُنَا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ بِإِقْرَارٍ حَقِيقِيٍّ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْحُكْمِيَّ وَهُوَ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ لَا تَتَأَتَّى هُنَا؛ لِأَنَّهَا فَرْعُ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالزِّنَا لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُلْزِمَةً إذْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي بِهِ شَيْئًا يُطَالِبُ بِهِ فِي الْحَالِ وَلَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ حِسْبَةً لِمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ دَعْوَى الْحِسْبَةِ لَا تُسْمَعُ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ م ر مَا نَصُّهُ وَخَرَجَ بِالْحَقِيقِيِّ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ بَعْدَ نُكُولِ الْخَصْمِ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا زِنًا نَعَمْ يَسْقُطُ حَدُّ الْقَاذِفِ اهـ.

وَعِبَارَةُ سم قَوْلُهُ بِإِقْرَارٍ حَقِيقِيٍّ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْإِقْرَارِ الْحُكْمِيِّ كَمَا لَوْ طَلَبَ الْقَاذِفُ يَمِينَهُ أَنَّهُ مَا زَنَى فَرَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَحَلَفَ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ عَنْهُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا يَثْبُتُ الزِّنَا فَلَا يُحَدُّ الْمَقْذُوفُ انْتَهَتْ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ هُنَا لَيْسَتْ كَالْبَيِّنَةِ وَلَا كَالْإِقْرَارِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَرَّةً) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ حَيْثُ اشْتَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ أَرْبَعًا لِحَدِيثِ مَاعِزٍ وَأَجَابَ أَئِمَّتُنَا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَرَّرَهُ عَلَى مَاعِزٍ فِي خَبَرِهِ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي عَقْلِهِ وَلِهَذَا قَالَ أَبْكِ جُنُونٌ وَلَمْ يُكَرِّرْهُ فِي خَبَرِ الْغَامِدِيَّةِ اهـ خَطِيبٌ (قَوْلُهُ وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ) مِنْ الْغُدُوِّ وَهُوَ الذَّهَابُ اهـ ع ش وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر نَصُّهَا قَوْلُهُ اُغْدُ يَا أُنَيْسُ هُوَ أُنَيْسُ بْنُ الضَّحَّاكِ الْأَسْلَمِيُّ مَعْدُودٌ فِي الشَّامِيِّينَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ أُنَيْسُ بْن أَبِي مَرْثَدٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ الْمَشْهُورُ وَهُوَ أَسْلَمِيٌّ وَالْمَرْأَةُ أَيْضًا أَسْلَمِيَّةٌ قَالَ الْحَافِظُ أُنَيْسُ هُوَ ابْنُ الضَّحَّاكِ الْأَسْلَمِيُّ نَقَلَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَوَهَمَ مَنْ قَالَ إنَّهُ أُنَيْسُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ فَإِنَّهُ غَنَوِيٌّ، وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ التِّينِيِّ كَانَ الْخِطَابُ فِي ذَلِكَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ لَكِنَّهُ صُغِّرَ اهـ مِنْ مُخْتَصَرِ شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ لِلطَّيِّبِ بْنِ عَفِيفِ الدِّينِ الشَّهِيرِ بِأَبِي مَخْرَمَةَ الْيَمَنِيِّ انْتَهَتْ

، وَفِي الْمِصْبَاحِ غَدَا غُدُوًّا مِنْ بَابِ قَعَدَ ذَهَبَ غُدْوَةً بِالضَّمِّ وَهِيَ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَجَمْعُهَا غُدًى مِثْلُ مُدْيَةٍ وَمُدًى هَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اُسْتُعْمِلَ فِي الذَّهَابِ وَالِانْطِلَاقِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُغْدُ يَا أُنَيْسُ» أَيْ انْطَلِقْ اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْإِقْرَارِ مُفَصَّلًا) كَأَنْ يَقُولَ أَدْخَلْت حَشَفَتِي فِي فَرْجِ فُلَانَةَ عَلَى سَبِيلِ الزِّنَا وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْإِحْصَانَ أَوْ عَدَمَهُ كَمَا فِي الْعُبَابِ اهـ ح ل.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيَثْبُتُ الزِّنَا بِبَيِّنَةٍ فُصِّلَتْ بِذِكْرِ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَكَيْفِيَّةِ الْإِدْخَالِ وَمَكَانِهِ وَزَمَانِهِ كَأَشْهَدُ أَنَّهُ أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا فِي فَرْجِ فُلَانَةَ بِمَحَلِّ كَذَا وَقْتَ كَذَا عَلَى سَبِيلِ الزِّنَا

وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ التَّفْصِيلِ مُطْلَقًا، وَلَوْ مِنْ عَالِمٍ مُوَافِقٍ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ حَيْثُ اكْتَفَى بِزِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى مَا لَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ إهْمَالِ بَعْضِ الشُّرُوطِ أَوْ بَعْضِ كَيْفِيَّتِهِ، وَقَدْ يَنْسَى بَعْضَهَا وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّهَا أَرْبَعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: ١٥] وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهُ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَكِنْ اقْتَصَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ يَزْنِي بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حُدَّ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ مَجْمُوعِ الشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ ثُبُوتُ زِنَاهُ بِأَرْبَعَةٍ قَدْ يُنَازَعُ فِيهِ بِأَنَّ كُلًّا شَهِدَ بِزِنًا غَيْرِ مَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِمْ مُوجِبُ الْحَدِّ بَلْ يُحَدُّ كُلٌّ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ أَوْ إقْرَارٌ مُفَصَّلٌ نَظِيرَ مَا تَقَرَّرَ فِي الشَّهَادَةِ بِهِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَجَعَ) أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ أَوْ بَعْدَهُ بِنَحْوِ رَجَعْت أَوْ كَذَبْت أَوْ مَا زَنَيْت وَإِنْ قَالَ بَعْدَهُ كَذَبْت فِي رُجُوعِي أَوْ كُنْت فَاخَذْتُ فَظَنَنْتُهُ زِنًا وَإِنْ شَهِدَ حَالُهُ بِكَذِبِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ سَقَطَ أَيْ عَنْهُ بَقَاءَ الْإِقْرَارِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ كَحَدِّ قَاذِفِهِ فَلَا يَجِبُ بِرُجُوعِهِ بَلْ يُسْتَصْحَبُ حُكْمُ إقْرَارِهِ فِيهِ مِنْ عَدَمِ حَدِّهِ لِثُبُوتِ عَدَمِ إحْصَانِهِ اهـ شَرْحُ م ر وَعَلَى قَاتِلِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ الدِّيَةُ لَا الْقَوَدُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالرُّجُوعِ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ لِإِسْقَاطِ مَهْرِ مَنْ قَالَ زَنَيْت بِهَا مُكْرَهَةً؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ آدَمِيٌّ اهـ ز ي. (قَوْلُهُ سَقَطَ) عَنْهُ الْحَدُّ أَيْ جَمِيعُهُ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ إنْ رَجَعَ فِي أَثْنَائِهِ وَإِنْ شَهِدَ حَالُهُ بِكَذِبِهِ وَالرُّجُوعُ مَنْدُوبٌ بَلْ وَالسِّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ ابْتِدَاءً مُطْلَقًا وَيُنْدَبُ لِلشَّاهِدِ عَدَمُ الشَّهَادَةِ وَمَا قِيلَ إنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ لِلْإِمَامِ وَيَطْلُبَ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي الشَّهَادَاتِ حَمَلَهُ شَيْخُنَا عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ لَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ.

(فَرْعٌ)

<<  <  ج: ص:  >  >>